الفضائيات والطريق إلى الجنة

الفضائيات والطريق إلى الجنةمحمد رفعت

الرأى10-3-2024 | 16:05

الطريق إلى الجنة لا يمر بشاشة التليفزيون، كما تدعي إحدى الفضائيات الدينية الخاصة في إعلاناتها عن القناة وبرامجها.

والطابع التجاري، الذي يغلب على معظم هذه القنوات ويحولها إلى حارة من حارات العتبة أو شارع الموسكي، حيث يتم الإعلان عن السلع الرخيصة ووصفات العلاج بالأعشاب والتداوي بالعسل وحبة البركة، يذكرني ببعض الباعة الحواة، الذين كان يلتف حولهم الناس زمان؛ ليشتروا بودرة العفريت وزجاجات الدهان العجيبة، التي تعيد الشيخ إلى صباه وتعالج كل الأمراض بداية من العجز الجنسي وحتى القلب والسرطان.

والمادة الفكرية والمحتوى الثقافي، الذي تروج له معظم هذه الفضائيات لا يختلف كثيرا عن نوعية السلع، التي تحاول أن تغري مشاهديها بشرائها، وهي لا تخرج عادة عن نفس الأفكار العقيمة والرؤى السقيمة والقضايا الجدلية والمناقشات البيزنطية، التي تشغل الناس بما لا يفيدهم وينفعهم في أمور الدنيا أو الدين.

وبعض برامج هذه الفضائيات ليس سوى إعادة إنتاج لنفس الأفكار، التي تروج لها كتب الأرصفة المشغولة بالثعبان الأقرع و علامات الساعة وعذاب القبر وحوارات الجن مع الإنس وكيفية الوقاية من المس والسحر وغيرها من الموضوعات ذات الشعبية الواسعة، التي اتفق معظم كبار العلماء على النهي عن الخوض فيها أو الانشغال بها، والاستغراق في مناقشتها؛ لأن كلها قضايا خلافية لم يقطع فيها أحد برأي، والوصول إلى نتيجة محددة فيها من الأمور المستحيلة، وهي في المحصلة النهائية من باب العلم الذي لا ينفع.

والحقيقة أنه لم يعد يدهشني هذا الإقبال الواضح والمتزايد من قطاعات كبيرة من الناس علي مشاهدة مثل هذه القنوات، وتحول معظم شيوخها إلى نجوم يتم ترويج رحلات العمرة والحج السياحي باسمهم، لأنها تلبي حاجة ملحة للتثقيف الديني، لدرجة أن مشاهدة البعض لمثل هذه القنوات أصبح في حد ذاته نوع من التدين أو دليل عليه من وجهة نظرهم، فضلا عن أن الأداء التمثيلي المؤثر والتلاعب بنبرات الصوت والملامح الشكلية، التي توحي بالتقوى والصلاح لكثير من الدعاة في تلك القنوات يزيد من جذب جمهور المشاهدين لمتابعتهم أينما حلوا والانفعال معهم لمشاهدتهم من قناة إلى أخرى، خاصةً بعد أن تراجعت إلى حد ملحوظ شعبية بعض الدعاة العصريين من مدرسة عمرو خالد، وعادت من جديد صورة الواعظ التقليدى؛ لتحتل مقدمة المشهد.

وقد ساعد مثل هؤلاء على الانتشار والاستمرار، إصرار معظم البرامج الدينية في المحطات التليفزيونية الأرضية والفضائية المصرية على نفس الأسلوب العقيم في المعالجة والتناول، رغم أن التليفزيون المصري هو الذي صنع شعبية معظم شيوخ الفضائيات الآن.

وإذا كانت بعض القنوات الدينية الجديدة، قد أثبتت أنه يمكن الوصول إلى صيغة وسطى بين الداعية العصري والشيخ التقليدي، فإن قطاع البرامج الدينية في التليفزيون يحتاج إلى وقفة حقيقية لتطوير وتجديد دمائه.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2