قالت جاياتي غوش أستاذ في علم الاقتصاد ب جامعة ماساتشوستس أمهرست الأمريكية العريقة إن هناك جماعات ضغط “لوبي” تقمع ظهور نظريات اقتصادية جديدة وبديلة عن الحالية.
وأضافت في مقال نشر لها اليوم على موقع صندوق النقد الدولي أنه أصبحت الحاجة إلى إجراء تغيير جذري في تخصص مادة الاقتصاد الآن أكثر إلحاحا من أي وقت مضى حيث تواجه البشرية أزمات وجودية، حيث أصبحت التحديات الصحية والبيئية على كوكب الأرض مصدرا كبيرا للقلق.
ووفق الخبيرة الاقتصادية الأمريكية تشكل الغطرسة تجاه مواد التخصص الأخرى عيبا كبيرا، ويتم التعبير عنها على سبيل المثال من خلال الافتقار إلى حس قوي بالتاريخ، والذي ينبغي أن يتخلل كل التحليلات الاجتماعية والاقتصادية الحالية، وفي الآونة الأخيرة، أصبح من المألوف بين الاقتصاديين أن يدمجوا في تجاربهم علم النفس، مع ظهور الاقتصاد السلوكي و"محفزات" للحث على سلوكيات معينة، ولكن يُعرض ذلك أيضا بدون سياق تاريخي في الغالب، وبدون الاعتراف بالسياقات الاجتماعية والسياسية المتباينة، وعلى سبيل المثال، ترتبط الاختبارات المعيشية ذات النظرة الضيقة التي أصبحت شائعة للغاية في اقتصاد التنمية بالتحول بعيدا عن دراسة العمليات التطورية والاتجاهات الاقتصادية الكلية، إلى التركيز على ميول الاقتصاد الجزئي التي تمحو بشكل فعال الخلفية والسياقات التي تشكل السلوك الاقتصادي والاستجابات، ولا تزال الإشكالية الأساسية والعميقة للمذهب الفردي المنهجي قائمة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن عددا قليلا من الاقتصاديين المعاصرين يحاولون إجراء تقييم فلسفي لمنهجهم وعملهم.
وحسب الأستاذة الأمريكية: هناك مشكلة طويلة الأمد، فكثير مما يُعرض باعتباره حكمة اقتصادية عن كيفية عمل الاقتصادات وانعكاسات السياسات مضلل في أحسن الأحوال، وخاطئ ببساطة في أسوأ الأحوال ولعقود من الزمن الآن، كانت جماعة ضغط كبيرة وقوية داخل هذا التخصص تروج لأنصاف الحقائق، بل وحتى الأكاذيب بشأن العديد من المسائل الحاسمة - على سبيل المثال، كيف تعمل الأسواق المالية وما إذا كان من الممكن أن تتسم "بالكفاءة" بدون تنظيم؛ وانعكاسات سياسات المالية العامة على الاقتصاد الكلي والتوزيع؛ وتأثير سوق العمل وتحرير الأجور على الوظائف والبطالة؛ وكيف تؤثر أنماط التجارة والاستثمار الدوليين على سبل العيش وإمكانية التنويع الاقتصادي؛ وكيف يستجيب الاستثمار الخاص لحوافز السياسات مثل التخفيف الضريبي والإعانات ولعجز المالية العامة؛ وكيف تؤثر الاستثمارات المتعددة الجنسيات وسلاسل القيمة العالمية على المنتجين والمستهلكين؛ والضرر البيئي الناجم عن أنماط الإنتاج والاستهلاك؛ وما إذا كانت حقوق الملكية الفكرية الأكثر صرامة ضرورية حقا لتشجيع الاختراع والابتكار؛ وما إلى ذلك.
وأدت هذه العيوب إلى إضعاف علم الاقتصاد إلى حد كبير، ومن غير المستغرب أنها قللت مصداقيته وشرعيته بين عامة الناس والتخصص السائد بحاجة ماسة إلى المزيد من التواضع، وحس أفضل بالتاريخ، والاعتراف بعدم تكافؤ القوى، والتشجيع النشط للتنوع، ومن الواضح أن هناك حاجة إلى تغير أمور كثيرة إذا كان للاقتصاد أن يصبح حقا ذا صلة ومفيد بالقدر الكافي للتصدي للتحديات الرئيسية في عصرنا هذا وفق أستاذة الاقتصاد الأمريكية.
وأوضحت أن الاقتصاد العالمي كان متعثرا وهشا بالفعل قبل الجائحة؛ وكشف التعافي اللاحق عن أوجه عدم المساواة العميقة والمتفاقمة، وليس فقط في الدخول والأصول، بل في الحصول على الاحتياجات الإنسانية الأساسية.
واختتمت قائلة: أدى إنفاذ تسلسلات هرمية صارمة للقوى داخل هذا التخصص إلى قمع ظهور وانتشار نظريات وتفسيرات وتحليلات بديلة. وتتحد هذه العوامل مع أشكال التمييز الأخرى (حسب نوع الجنس، أو العرق/الأصل الإثني، أو الموقع) لاستبعاد وجهات النظر البديلة أو تهميشها. وللموقع تأثير هائل، إذ يهيمن شمال الأطلسي - خاصة الولايات المتحدة وأوروبا - بالكامل على التخصص السائد من حيث الهيبة والنفوذ والقدرة على تحديد محتوى هذا التخصص واتجاهه. ويتم إلى حد كبير تجاهل المعرفة والرؤى والمساهمات الهائلة في التحليل الاقتصادي التي يقدمها الاقتصاديون الموجودون في البلدان التي تضم معظم سكان العالم، بسبب الافتراض الضمني الذي يفيد بأن المعرفة "الحقيقية" تنشأ في الشمال وتُنشر إلى الخارج.