دائمًا ثمة أمر عميق في خطابات الرئيس عبدالفتاح السيسي لايتم الإشارة إليه صراحة، ودائمًا أيضًا هناك رسائل تحتاج إلى مزيد من القراءة لالتقاطها أكثر من مجرد الاكتفاء بتفسيرات التواصل الاجتماعي، التي وللأسف بعضها يحول الخطاب الرئاسي إلى عناوين ليس المعني فيها إبراز مضمونه أوقراءة أبعاده الحقيقية، قدر الاهتمام بحصاد مزيد من التفاعلات الرقمية لما يطرحه صاحب المحتوى أو المنصة على حساب رسائل وأبعاد الخطاب أحيانًا، وقياسًا بعض القنوات الإعلامية التي تتناوله كذلك في جزئيات محدودة الوعي بأهمية العمق في الطرح والتفاعل، وهي حالات تقابلها الجماعات والتنظيمات والدول ذات المصلحة في إرباك المشهد المصري أوتشويه الدور الحقيقي للقيادة في أية أزمة تتفاعل معها بإستراتيجيات مضادة شديدة العنف.
إن، المتابع للقراءات التفاعلية الخارجية مع خطابات الرئاسة في مصر ، يكتشف محاولات حثيثة في تغييب المضامين الحقيقية والعميقة لتلك الخطابات، كما يكتشف محاولات تقديمها في قالب تحليلي سطحي تتبناه منصات مؤدلجة، تنطلق في غالبها من أهداف تنظيمية أبعد ما تكون عن المصلحة الوطنية العامة التي تتشدق بها، وهي عملية ليست ارتجالية كما قد تبدو، بل ترتكز على مجموعة من الأدوات والإستراتيجيات التي تنطلق في مراحل زمنية مختلفة بأسماء وشبكات ذات نهايات طرفية مترابطة، تهدف جميعها إلى التأثير في الوعي الجمعي المصري حيال رؤيته للصورة الذهنية العامة للدولة، مع تغولها في محاولات عنيفة لاستبدال وعي المتلقي والانتقال به من حالة قراءة الرسائل الحقيقية للخطاب الرئاسي، إلى حالة سطحية مدعومة رقميًا بخوارزميات ترفع من إمكانات انتشارها وإمكانات تأثيرها في تحييد استدعاء أدوات الفكر والمنطق لتقييم مصداقيتها، والأمر الأكثر خطورة هنا هو أن تحدث تلك العمليات وسط غياب أو ضعف تأثير وأداء الخطاب القادر على مواجهة تلك الحالات، التي وحال نجاحها سيصبح الخطاب الوطني خطابًا دفاعيًا في غالبه وليس استباقيًا، وهو ما يسعى نحو تحقيقه دائمًا صُنّاع الخطاب الاستهدافي لإنهاك الدولة وتشويه دورها أمام المواطن.
إن، مواجهة الخطاب الرئاسي بخطابات خارجية مضادة كثيفة وشديدة العنف هو أمر واقع لا جدال فيه، وإن اتسام تلك الخطابات بالاحترافية المهنية والمرونة والتجدد في الطرح والتناول بما قد يساعد أصحابها حال استمرارها دون مواجهة رادعة وحاسمة واحترافية في إحداث فجوة تأثيرية لصالحها أيضًا أمر لاجدال فيه، بل إن ذلك لا يتوقف فقط على الخطاب الرئاسي بل يطال أيضًا الصورة الذهنية للمنجزات التي تحققت، والتي باتت في بعض منصات الإعلام للأسف رهينة اللحظة ولا تتجاوزها نحو القراءة والتحليل والتوثيق لقيمه المنجز وأهميته، فأكم من مشروع لا يتم تناوله إلا لحظة تدشينه ثم يُترك نسيًا منسيًا، ما يجعل من الوعي حيال أهميته أسيرًا في غالب الأحيان للعناوين المحيطة به أو تلك التي تستهدفه من الخارج.
إن، التعاطي بإستراتيجية تُراعي إيضاح الأهداف الحقيقية العميقة للخطابات الرئاسية بوعي كامل بما يحاك ضدها من مؤامرات، يقي من خطورة نتائجها الرقمية أو الإعلامية في التأثير على الوعي الجمعي المصري، ويكافح محاولات جعل المتلقي يكتفي بالاستسلام لدور المستقبل فقط، بدلًا من بذل الجهد في الاطلاع على مضامين الخطاب الرئاسي أوالتعمق فيه.
كما، أن الاكتفاء بالصورة في التفاعل مع الخطاب الرئاسي كما هو حاصل في جل المحتويات الرقمية والإعلامية، أمر شديد السلبية لأن حصر تقديم الخطاب على الصورة في الإعلام كبديل للقراءات العميقة المقدمة على عمومها، من شأنه أن يُعطل من ملكات المتلقي ويجعله دائمًا تحت تأثير الانطباع وليس الفهم الحقيقي للخطاب، وفي هكذا حالة يتشكل الوعي وفق توجه من يمتلك الإمكانات التي تساعده في توفير الأدوات الفنية اللازمة لصناعة هذه الصورة، دون النظر إلى أية اعتبارات وطنية أو اجتماعية تمس أمن وسلامة الوعي الفردي أو الجمعي حيال الصورة الذهنية للدولة إجمالًا، لذا فإن مخاطر حصر الخطاب الرئاسي في الجانب الانطباعي الذي هو أحد نتاجات حصر نشر المضمون بالصورة فقط، تبرز في كونه يدفع نحو وعي متقلب فاقد للذاكرة حيال تطوراته، فيما التعاطي مع الخطاب الرئاسي من منطلق النص المنطوق أو المكتوب الدقيق لمضامينه والعميق في طرحه، يحافظ على ثباته ورسوخ فكرته لدى المتلقي، لاسيما وأن الانطباع متغير فيما المفهوم دائم، وهنا يبرز طرفي المكوِّن الرئيس لمعادلة الوعي الحقيقية والتي من المهم الالتفات إليها، والتي تبرز بشكل غير مباشر دائمًا في في كثير من خطابات السيد الرئيس منذ 2013 وحتى خطابه الأخير في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة ويوم الشهيد مارس 2024.
إن محاولات بعض المنصات الخارجية الدفع بالتعامل مع خطابات الرئاسة بالقدر المسىء الذي يخدم أهداف تلك المنصات وعرّابيها، يتجاوز في مخاطره شخص السيد الرئيس نحو صورة الدولة إجمالًا، والأخطر هو محاولة التشكيك في الخبرة المحلية المصرية عامة واسلوب تفاعلها وتعاطيها مع الساياقات كافة وليست السياسية فقط، الأمر الذي سينسحب مستقبلًا على التشكيك في الكفاءة المصرية وبالتالي إقصاء مشاركاتها في أية مشاريع مستقبلية للتنمية والبناء في المنطقة أو في داخل الدولة، وهو من أخطر أنواع الاستهدافات التي تقوض الموثوقية في الدولة ومواطنيها على حد سواء.