ارتبط شهر رمضان بالجهاد بعد أن فرض الله سبحانه وتعالى علينا الصيام فى رمضان فى سورة البقرة بقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ) [البقرة : 183]
فما هي أبرز الانتصارات فى شهر رمضان المبارك عبر التاريخ الإسلامي؟
أجاب عن السؤال المؤرخ إبراهيم العنانى عضو اتحاد المؤرخين العرب فيقول :
البداية غزوة بدر :
كانت بداية تلك الانتصارات في غزوة بدر الكبرى، التي كانت فى 17 رمضان سنة 2 هجرياً، فكانت معركة الفرقان بين الحق والباطل، وأول معركة بين المسلمين والمشركين ، ورغم قلة عدد المسلمين فقد كان النصر حليفاً لهم، وخرج المسلمون من هذه الموقعة بكثير من المغانم، وقد قال الله تعالى فى شأنها : (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) (آل عمران : 123 ) .
فتح مكة :
وثانى تلك الانتصارات كما يقول المؤرخ إبراهيم العناني هو فتح مكة في سنة 8 هجرياً، الذي أعز الله به دينه ونصر جنده، وطهر به بيته المحرم من رجس الأوثان والمشركين، ودخل الناس به فى دين الله أفواجا. وفى العام التالى فى الثامن من شهر رمضان عام 9 هجرياً كانت غزوة تبوك أو العسرة، وهناك أعلنت القبائل العربية خضوعها للمسلمين.
واستمرت انتصارات المسلمين بعد انتقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى، فكانت معركة القادسية، على الضفة الغربية لنهر الفرات، التى وقعت فى شعبان واستمرت إلى رمضان 16 هـ (637م) بين المسلمين والفرس، وانتصر فيها المسلمون لتتغير ملامح التاريخ البشرى وينتهى الوجود الفارسي وسيطرته.
وفى رمضان أيضاً فى الخامس والعشرين من رمضان عام 658 هـ ، كانت معركة عين جالوت التى أعز الله فيها المسلمين على التتار بقيادة هولاكو المغولي، وكسر شوكتهم، ولم تقم لهم بعدها قائمة.
يروي لنا التاريخ أنه في ثانى أيام شهر رمضان عام 702هجرياً فتح القائد الإسلامي، حسان بن النعمان، المغرب الأوسط – الجزائر الآن – وانتصر على الملكة الكاهنة زعيمة البربر في ذلك الوقت، وفي نفس العام فى الثالث من رمضان فتح المسلمون جزيرة رودس، وكذلك انتصرت الجيوش المصرية والشامية على جيوش التتار في موقعة شقحب بالقرب من دمشق. وفي عام 532 هجرياً فى شهر رمضان انتصر المسلمون على الصليبيين بقيادة عماد الدين زنكي، وفى نفس اليوم فتحت عمورية أهم بلاد الروم .
العاشر من رمضان :
ويقول المؤرخ ابراهيم العناني فى العصر الحديث كان لنا نصيب من انتصارات رمضان، وذلك فى العاشر من رمضان عام 1363هـ ، الموافق 6 أكتوبر 1973م ، عندما عبر جيشنا المصري الباسل قناة السويس، وأنهى أسطورة الجيش الإسرائيلى الذي لا يقهر بعد أن دمر حصن برليف، ليسطر بذلك سطراً جديداً في تاريخ أمتنا الإسلامية المجيد.
وعند لقاء العلماء بأبناء الجيش في شهر رمضان أثناء الحرب أفتى بعض الدعاة للجنود بأنه، نظراً لحرارة الجو وحاجة الحرب إلى كامل طاقتهم، من المستحب الأخذ برخصة الفطر لتكون عوناً لهم فى الانتصار على العدو الصهيوني، إلا أن بعض الجنود أجابوا قائلين: لا نريد أن نفطر إلا في الجنة.
جدير بالذكر أن الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر عام 1973م قبيل الحرب قد رأى رسول الله فى المنام يعبر قناة السويس ومعه علماء المسلمين وقواتنا المسلحة فاستبشر خيراً وأيقن بالنصر وأخبر الرئيس السادات بتلك البشارة واقترح عليه أن يأخذ قرار الحرب، مطمئناً إياه بالنصر ثم لم يكتف بهذا بل انطلق عقب اشتعال الحرب إلى منبر الأزهر الشريف وألقى خطبة توجه فيها إلى الجماهير مبيناً أن حربنا مع إسرائيل هى حرب فى سبيل الله وأن الذي يموت فيها شهيد وله الجنة .
ويضيف المؤرخ إبراهيم العناني قائلا:
كانت ليله 5/6 أكتوبر 73 من أخطر الليالي التي مرت على الذين خططوا لحرب أكتوبر العظيمة، فعلى الجانب المصري كان توقع المسؤولون أن تتمكن إسرائيل من كشف استعدادات العبور وقيام الطيران الإسرائيلي بمحاولة إجهاض العملية، أما على الجانب الإسرائيلي فقد بدأت أول عملية حقيقية في حرب أكتوبر عندما غاصت مجموعة من الضفادع البشرية تحت مياه القناة في ظلام الليل وعبرت إلى الشاطئ الشرقي وقامت باستخدام الأسمنت سريع الشك في سد فوهات خزانات المواد السائلة سريعة الاحتراق التي كانت حصون خط بارليف ستغرق بها صفحة القناة أمام أي محاولة عبور .. كانت هذه العملية الفدائية من أخطر العمليات فلو استطاع أي حصن من الحصون الـ 35 التى يتكون منها خط بارليف أن يكشف أو يضبط أفراد الضفادع المصرية وهم يقومون بعملية السد لانكشفت بالتالي خطة العبور خاصة وأن شواهد عديدة قد بدأت تتجمع في تلك الليلة أمام المخابرات الإسرائيلية ولكن لحسن الحظ أنها لم تفسر هذه الشواهد بأنها تعني الحرب .
وبنسبة نجاح مائة في المائة استطاعت الضفادع البشرية المصرية أن تسد كل فوهات الجحيم التي كانت تنتظر قواتنا عند بداية عبورها القناة، ويبدو أن أحد حصون خط بارليف قد اكتشف خللا في تشغيل هذه الخزانات عند مراجعة دورية لها في يوم 6 أكتوبر فأجرى اتصالا بمقر قيادته لإرسال مجموعة من المهندسين يتولون فحص نظام التشغيل، وكانت هذه المجموعة من المهندسين هي أول دفعه من القوات الإسرائيلية تأسرها قواتنا المصرية بعد نجاحها الكبير في عبور القناة وتسلقها حائط الرمال المرتفع بطول 20 مترا الذي أقامته إسرائيل على طول القناة وقد تم تسلقه عبر سلالم من الحبال واندفعت قواتنا التي عبرت إلى سيناء .
في الوقت الذي كانت كل الأسلحة الأخرى تقوم بدورها المحدد في توقيتها المحدد، الطيران أولا وبعد خمس دقائق ضربات المدفعية المكثفة، ثم القوارب المطاطية ثم مد المعديات والكباري .. وعلى طول القناه كان هناك نحو 70 مكبرا للصوت ترتفع أصواتها الله أكبر .. الله أكبر .. ووراءهم زعيق 400 ألف جندي يرددون الصيحة التي ملأت نفوسهم بالإيمان والقوة والتضحية .. واستطاعت قواتنا المصرية بدون قنبلة ذرية تحطيم خط بارليف الذي أقامته إسرائيل حصنا منيعا تبقى وراءه في سيناء إلى الأبد، واستطاع مهندسونا المصريون بغير حاجة إلى مهندس أمريكى أو سوفيتى واحد أن يفكوا كل الطلاسم التي أقامها الإسرائيليون ليمنعوا عبور قواتنا، واستطاعت قواتنا المسلحة أن تقضي على نظرية الأمن الإسرائيلي التي كانت تقوم على مقولة إنه في عام 67 كان الوجود الإسرائيلي في أرض غير آمنة ورغم ذلك حاربت 3 دول واكتسحتها، وبعد 67 أصبحت لإسرائيل حدود جديدة آمنه لا تستطيع قوة عربية أن تحركها منها .. سيناء في مصر والضفة في الأردن والجولان في سوريا .. وتحطم خط بارليف، وتحطمت نظرية الأمن الإسرائيلي، وكان يوم 6 أكتوبر الخالد لمصر.. لقواتها المسلحة.