سامر رمضان في التاريخ والديوان (1)

سامر رمضان في التاريخ والديوان (1)مسلسل الحشاشين

فنون17-3-2024 | 19:49

نستهل سامرنا الرمضاني للعام 2024، بحديث ينطلق من اللحظة الراهنة إلي جذور تاريخية وتراثية بعيدة، تعود إلي ما يقرب من الألف سنة! وماذا نفعل ونحن نعيش علي أرض قيض الله لها عمقا في الزمان وامتدادًا في المكان وإرثًا لا ينتهي في الإبداع والحضارة والفنون والآداب! هذه هي مصر، وهذا هو قدرها وقدر من يحبها ويعرف قيمتها ويسعي لتعميق هذه المعرفة طوال رحلته المحدودة بعمر صاحبها!

كنت أخطط لسلسلةٍ متصلة من الموضوعات عن مؤرخي مصر الإسلامية العظام، منذ الكندي المؤرخ صاحب «فتوح مصر والمغرب»، وصاحب «ولاة مصر» و«قضاة مصر»، وابن زولاق المصري، وغيرهما من مؤرخي الرعيل الأول منذ القرنين الأول والثاني للهجرة.

ومرورًا بعظيم مؤرخي العصور الوسطي، وشيخها الجليل تقي الدين المقريزي ، صاحب «الخِطط»، وتلميذ ابن خلدون، وصاحب التصانيف المذهلة كمًّا ونوعًا (وسنكتب عنه لاحقًا وبالتفصيل بمشيئة الله)، وصولًا إلي بقية السلسلة الذهبية الجليلة التي تشمل تلميذه النابه ابن تغري بردي صاحب «النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة»، ثم الإمام جلال الدين السيوطي صاحب «حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة»، ومن بعده ابن إياس العظيم مؤلف «بدائع الزهور في وقائع الدهور»، وختامًا بالشيخ عبد الرحمن الجبرتي صاحب «عجائب الآثار في التراجم والأخبار».

هكذا كنت أخطِّط، وأنجزتُ حلقاتٍ من هذه السلسلة بالفعل، لكن الأقدار لها دائمًا قول آخر!

مع عرض أول حلقة من حلقات مسلسل الحشاشين في أول أيام الشهر الفضيل (من كتابة عبد الرحيم كمال، وبطولة كريم عبد العزيز ، وإخراج بيتر ميمي)، ثار جدلٌ عنيف -كالعادة- بين رواد السوشيال ميديا، وجمهور المشاهدين حول المسلسل، واشتعل الجدل والصخب -كالعادة- بين مؤيدٍ ومعارض، ومهاجمٍ بعنف ومدافع بعنف، وبينهما تغيب -كالعادة- دقائق الأمور وتفاصيل التاريخ الموثقة والمساحة المبهمة بين الفن والتاريخ أو الدراما والأصل التاريخي المستلهمة منه.. حدث هذا، ويحدث، منذ ظهور الدراما التاريخية علي الشاشة الفضية وحتي الآن، ولن أضرب أمثلة فهي أكثر من أن تضرب وتحصي!

ليس جديدًا علينا إذن بواعث هذا الجدل ولا سخونته ولا شطحه ولا طرحه! إنما الجديد فيما أتصور هو دخول مؤيدي تيار الإسلام السياسي وبعنف علي الخط لشن هجوم كاسح علي المسلسل، وعلي مؤلفه ومخرجه وبطله ومشاهديه الراضين عنه علي السواء!

أما من لم يتصل بموضوع «الحشاشين»، وشخصية الحسن الصباح من قبل فقد يستغرب جدًا من هذا الأمر! وربما تطل الأسئلة الحارقة برؤوسها متطلعة، ويأكلها الفضول: فلماذا تنتج الشركة المتحدة «المصرية» مسلسلًا حول طائفة تحمل هذا الاسم الغريب «الحشاشين»، وعن مؤسسها فارسي الأصل، هذا الرجل الغامض «الحسن الصباح»، الذي لا تربطه بمصر سوي فترة إقامة قصيرة للغاية من عمره لا تزيد علي ثمانية أشهر فقط (وقيل العام)، ثم خرج منها هاربا أو فارا متجها إلي الشام، ومنها إلي إيران، متخذا من قلعة آلموت المعزولة قرب بحر قزوين نقطة ارتكاز لنشاطه السياسي والعقائدي و «الإرهابي»!

والكلمة الأخيرة ببساطة هي «السر»!

فشخصية الحسن الصباح الذي سنتحدث عنه، وعن حضوره في المصادر التاريخية المختلفة، الوسيطة والحديثة، المؤلفة والمترجمة، علي السواء هي محور هذا الجدل، فالرجل ببساطة هو مؤسس أخطر فرقة «سرية» وتنظيم سري «إرهابي» مارس العنف والاغتيالات السياسية المنظمة، وعمل علي تقويض أسس الدول المكينة المستقرة (الدولة السلجوقية مثالا) من داخلها بإثارة القلاقل والفتن وزعزعة الاستقرار وتأليب العوام.

كل هذه الأفكار والأمور ورثتها جماعات وتيارات الإسلام السياسي الحديثة بكل تنويعاتها! هكذا ببساطة، وقبل أن يكتمل العرض أصبح المسلسل وصناعه هدفًا لسهام طائشة وعنيفة من مؤيدي هذا التيار، وأتصور أنها ستشتد وتعنف مع عرض الحلقات التالية!

هذه واحدة فيما يخص التوظيف السياسي والاشتباك السياسي حول المسلسل وتوقيت عرضه في رمضان.

أما إذا بعدنا عن التوظيف السياسي ، وركزنا علي الجدل حول حدود العلاقة بين الفني ( الدراما ) وبين الأصل التاريخي المأخوذة عنه هذه الدراما، فسنجد حوارًا محتدمًا أيضًا ونقاشًا مشتعلًا، للأسف يتحدث فيه كل طرف من دون نظر لطبيعة الدراما، ولطبيعة الأعمال الفنية المستلهمة من «أحداث تاريخية»، وهو الإشكال ذاته الذي عاينه النقاد فيما عرف -أو يعرف- باسم «الرواية التاريخية» وما تثيره بدورها من إشكالات والتباسات.. إلخ.

اقرأ باقي التقرير في العدد الجديد من مجلة أكتوبر، اضغط هنـا

أضف تعليق

حظر الأونروا .. الطريق نحو تصفية القضية الفلسطينية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2