أجمع خبراء سياسيون على أن، مصر التي رفضت التفريط في شبر واحد من أراضيها، وخاضت معركة طابا بعد حرب أكتوبر، فإنها لن تقبل بأي سيناريوهات أو مخططات إسرائيلية، لتصفية القضية الفلسطينية على حساب أرض سيناء.
وأكد السياسيون، في تصريحات خاصة لوكالة أنباء الشرق الأوسط، اليوم الثلاثاء، أن الذكرى الـ35 لعودة طابا تتزامن هذا العام مع اعتزام إسرائيل شن عمليات عسكرية في مدينة رفح الفلسطينية، التي سبق وطالبت أهل قطاع غزة بالتوجه إليها كملجأ من نيران حربها الشعواء، الأمر الذي يمثل تهديداً لأمن مصر القومي على حدودها الشمالية الشرقية، مثمنين تأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسي على أن مصر ترفض التهجير القسري للفلسطينيين إلى أراضيها ولن تسمح به.
يقول الخبير السياسي الدكتور عبد المنعم سعيد: إن معركة استرداد طابا أعطتنا العديد من الدروس المستفادة، ومنها إمكانية تسوية أزمة أو نزاع عبر التقاضي أو التحكيم الدولي، مذكرًا بالأصوات المعارضة آنذاك لفكرة اللجوء إلى محكمة العدل الدولية بحجة أنه لا تحكيم في أمور سيادية لأن طابا هي مدينة بالفعل ملك لنا، وجزء لا يتجزأ من الأراضي المصرية، ولا يصح أن نضعها موضع التحكيم.
وأضاف "سعيد"، في هذا الصدد، أن الدولة المصرية سارت في خطتها، واستخدمت وسيلة التحكيم الدولي في الوقت المناسب، وبكل ثقة، وبطريقة مقنعة، ونجحت في التأثير بالطرف الآخر وإقناعه بقبول اللجوء إلى القضاء الدولي، الذي حكم بالنهاية لصالحنا لتصبح أول قضية يتم فيها تسوية النزاع الحدودي بين إسرائيل ودولة عربية.
وتابع، أن الدرس الثاني المستفاد هو نجاح القيادة السياسية في اختيار فريق وطني قادر على إنجاز تلك المهمة، حيث تم تشكيل "اللجنة القومية العليا لطابا"، والتي ضمت كفاءات عسكرية، ودبلوماسية، وقانونية، وتاريخية، وجغرافية، وقدمت نموذجًا يحتذى في إدارة العلاقات الدولية والمعارك الدبلوماسية، والقانونية.
ونوه إلى، أن مصر استطاعت خلق فريق قومي وطني للتعامل مع هذا النزاع، وضم أفضل العناصر وكان بمثابة جبهة وطنية قوية للدفاع عن الوطن، مشدداً على أن طابا هي مدينة صغيرة إلا أن الدولة المصرية أصرت على استعادة كافة ترابها من منطلق أننا لا نتنازل عن شبر واحد من أراضينا.
وأشار إلى أن الدرس الثالث في تلك المعركة هو استخدام أخطاء العدو، إذ إنه عندما ادعى الإسرائيليون أن طابا لا تقع ضمن الأراضي المصرية وأنها ملك لهم، ارتكبوا أخطاء قانونية وعملية تكشف زيف ادعاءاتهم وأنها بالفعل داخل حدود مصر.
ولفت إلى، أن معركة إعادة طابا أثبتت أنه ليس كل المعارك تُدار عسكريًا، بل يمكن التعامل معها عبر العلم والقانون، موضحًا أن فريق "اللجنة القومية للدفاع عن طابا" بذل جهودًا حثيثة واستثنائية؛ لجمع الأدلة والوصول إلى الخرائط التي تظهر حدود مصر مع فلسطين، قائلاً: "بحثوا حتى في الوثائق البريطانية والعثمانية، فلم يتركوا حجراً دون أن يروا ما تحته".
وسلط الضوء على أن من أدار هذا الصراع كان الدولة المصرية بنفسها، التي كلفت جبهة وطنية للتعامل مع هذا الموضوع، مؤكداً أن الوسيلة القانونية التي اختارتها مصر للتعامل مع هذه القضية كانت مقنعة، مما أكسبنا ثقة واحترام وتقدير العالم.
ورأى الدكتور عبد المنعم سعيد، من ناحية أخرى، أنه بعد مرور 35 عاماً فقد عادت إسرائيل إلى الوقوف في "قفص الاتهام" أمام محكمة العدل الدولية؛ لمحاكمتها على ما اقترفته من جرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، معتبراً أن قرارات المحكمة هي ما تبطئ خطة الاحتلال في تنفيذ عملية عسكرية داخل مدينة رفح الفلسطينية الحدودية مع سيناء، لما لذلك من آثار كارثية ستؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وتهدد الأمن القومي المصري.
وأوضح أن مصر تحمي أمنها القومي وحدودها من أي مخطط يستهدف استغلال أرض سيناء لتصفية القضية الفلسطينية، مثمناً جهود القاهرة في الدفاع عن القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في أرضه ودولته المستقلة.
واختتم الدكتور عبد المنعم سعيد، بأن مصر ماضية اليوم بكل حزم وجدية في تعمير وتنمية أرض سيناء، مقدماً التحية لكافة أعضاء اللجنة القومية للدفاع عن طابا، ولكل الشهداء الذين قدموا أرواحهم لإعادة كل حبة رمل ملك لنا إلى حضن الوطن.
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية الدكتور طارق فهمي: إن كل شبر في أرض سيناء له مكانة خاصة في قلوب شعب مصر؛ لكونها بقعة مقدسة ولأن رمالها ارتوت بدماء آبائهم، وأجدادهم الذين ضحوا بأرواحهم لكي نحيا اليوم كراماً أعزاء، منبهاً بأن المصريين لن يسمحوا بالمساس بشبر واحد من أراضي سيناء، التي تشهد حدودها اليوم حرباً إسرائيلية جنونية ضد أهل قطاع غزة.
وأضاف "فهمي"، أنه بعد الانتصار العسكري العظيم في أكتوبر 1973 لاستعادة أرض سيناء تبقت طابا تحت الاحتلال، إلا أن مصر خاضت لسنوات جهداً دبلوماسياً كبيراً لا يمكن إنكاره في معركة استرداد تلك المدينة، وتم تشكيل جبهة وطنية ضمت كل القوى والتيارات السياسية والقانونية، توجهت إلى التحكيم الدولي حتى أعادت لنا كامل حقنا.
وأثنى على المفاوضين والأسماء الكبيرة التي ضمتها اللجنة العليا لاسترداد طابا، مؤكداً أن الدولة المصرية صاحبت الخبرة الطويلة في كافة مجالات الحياة، حينما تريد أن تحقق إنجاز أو انتصاراً فهي تخطط وتبادر بطرح الأمر، وقادرة على حسمه لصالحها بالنهاية، وهو ما فعلته في قضية عودة طابا.
وبين، أن المفاوض المصري في معركة طابا تمسك برأيه وطرح أمام القضاء الدولي أفكار، وأساليب، ودلائل، وبراهين كبيرة، كانت نتيجتها هو التصميم في إدارة المعركة القانونية والدبلوماسية، منوهاً بأن الدولة المصرية تتمتع بمؤسسات وطنية قوية وعلماء، وفقهاء كانوا أجدر من يدافعون عن تراب وطنهم خاصةًً أنه لا يضيع حق وراءه مطالب.
وذكر، بأنه رغم الاستعانة بعدد من الفقهاء العالميين، إلا أن فريق التفاوض المصري استطاع حسم المعركة مبكراً بتقديم الأدلة، والأسانيد المتعلقة بملكية مصر لطابا، لنُسجل بذلك ملحمة قانونية سياسية دبلوماسية عظيمة أظهرت قدرة، وإمكانيات الدولة المصرية وأجهزتها المعنية، لاسيما وزارتي الخارجية والدفاع وغيرها، الذين شاركوا جمعياً في استرداد طابا، مسلطاً الضوء على الدعم الكبير الذي قدمته القيادة السياسية آنذاك، والدور الذي لعبه الرئيس الراحل محمد حسني مبارك في تحقيق إرادة الدولة بإعادة كل حبة رمل مصرية اغتصبتها إسرائيل.
بدوره، رأى المحلل السياسي الدكتور بشير عبد الفتاح، أنه بعد مرور 35 عاماً على قضية استرداد طابا وإعادتها إلى السيادة المصرية، فإنه يجب علينا استلهام الدرس من تلك المعركة التي خاضتها مصر، وتطبيقه خلال الفترة الراهنة، والتي تشهد تطورات واضطرابات إقليمية تفرض على الجميع تضافر الجهود الشعبية مع العسكرية، والسياسية، والدبلوماسية، والقانونية، وأن يكون الجميع على قلب رجل واحد؛ للذود عن أمن مصر القومي والدفاع عن الوطن، وإحباط أي سيناريوهات أو خطط تنتقص من السيادة المصرية على كامل التراب الوطني.
وأبرز الدكتور بشير عبد الفتاح في هذا الصدد، أن مصر تمتلك جيشاً وطنياً عظيماً قادراً على الدفاع دائماً عن حدودها، لافتاً إلى أن مصر تمتلك ثروة هائلة من الكفاءات الوطنية الكبيرة في جميع المجالات، لذا يجب استخدام كافة المقومات التي تمتلكها مصر؛ للدفاع عن هذا الوطن الغالي من الأطماع الخارجية، والحفاظ على وحدة وسلامة أراضيه، كما فعل آباؤنا وأجدادنا الذين خاضوا معركة الشرف والكرامة في السادس من أكتوبر 1973، وبعدها خاضوا ملحمة دبلوماسية وقانونية؛ لاسترداد آخر حبة رمل من تراب وطننا الغالي.
وأشار إلى، أن سيناء كانت دائما مطمعاً للغزاة، نظراً لموقعها الاستراتيجي، إذ إنها تعتبر بوابة مصر الشمالية الشرقية، منبهاً بأنه منذ تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، وظهرت الأطماع الإسرائيلية في السيطرة على سيناء بطرق مباشرة تمثلت في مشاركتها في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، واحتلالها سيناء عام 1967، وبطرق غير مباشرة تتمثل حالياً في الخطط الرامية لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الشعب الفلسطيني إلى أرض سيناء، وهو الأمر الذي لم ولن يسمح به شعب مصر تحت القيادة المصرية الحكيمة، التي تتعامل مع هذا الملف بمنتهى الاحترافية.
أما خبير القانون الدولي الدكتور أيمن سلامة أكد، من ناحيته، أن الانتصار العظيم الذي حققته مصر في تلك الملحمة التاريخية كشف عن أهمية القانون الدولي، وعلى وجه الخصوص آلية التحكيم الدولي، التي أصرت عليها مصر آنذاك، ورفضت رفضاً قاطعاً آلية التوفيق التي اقترحتها إسرائيل؛ حيث كانت بلادنا على يقين لا يتزعزع من قدرة واستحقاق موقفها القانوني في سيادتها على طابا.
وسلط الضوء على، أن العمل المؤسسي الفاعل هو أحد أهم الدروس المستفادة من الانتصار القانوني الباهر لمصر في قضية طابا، علاوةً على دعم الدولة بكافة مؤسساتها لـ"الهيئة الوطنية القومية للدفاع عن طابا"، وضرورة ضم كافة الخبراء المتخصصين في جميع المجالات المعنية سواء الحكوميين أو غير الحكوميين لتلك الهيئة، مما كان له أثر كبير في نجاح قضيتنا.
ونوه "سلامة"، بأن مصر على مدار التاريخ لم تفرط في حبة واحدة من ترابها الوطني الطاهر، وأن معركة إعادة طابا تلك الملحمة الوطنية البارزة في تاريخها، لا تقل في دلالتها عن البطولات الساطعة لـ الجيش المصري المنتصر في حرب أكتوبر عام 1973.