زهراوات تنتظر مريديها

زهراوات تنتظر مريديهاحسين خيري

الرأى31-3-2024 | 16:55

أن تتفتح زهرة واحدة في أرضها، وتنثر شذاها علي أهل الدنيا، قد يراه البعض أمرا مألوفا، وهو أمر ليس ببعيد عن أرض بكر نقية التربة، ولكن من دلالات الإعجاز ينشق من أرضها عشرات بل مئات الزهراوات كقناديل يسطع نورها من المشرق إلي المغرب ، وظلت الحضارة الإسلامية في ريعان شبابها قرونا طويلة، تنبت فتيانا وشبابا من نوابغ الزمان في العلم والفقه والفكر.

وهذا شيخنا مالك بن أنس يعتلي كرسي الأستاذية وعمره سبع عشرة سنة، ويتبوأ مالك مجلس العلم في سن صغير بعدما أجاز العلماء الكبار له درجة الأستاذية، وشبيبة أبناء الحضارة الإسلامية امتدت نبوغها إلي العلوم الطبيعية، بعد حفظه للقرآن ودراسة الأدب في سن العاشرة.

وفي نفس المضمار، يصير أبوعلي الحسين " ابن سينا " مرجعا لكثير من العلوم لعدة قرون، وها هو ينبغ في علم الطب، وقد اكتمل عمره الـ 16 عاما، وكان شغوفا بالمعرفة منذ صغره، ونهل في صباه من علوم الطب والحساب والجبر، وقال عنه المؤرخون إنه كان في شبابه رساما موهوبا وأديبا وموسيقيا ماهرا.

وخصوبة الحضارة الإسلامية منحتها ولادة الآلاف من عبقريات شابة، ومع كل إشراقة صباح يبزغ بريق شمسها عن عالم أو قائد فذ، وهذا الفقيه والعالم جلال السيوطي يعتلي درجات علم الفقه واللغة في عمر دون السنوات العشر، ونهل من علمه كثير من الفقهاء، وكان ينشده العديد من أنحاء الأمة، ونشأ السيوطي فقيرا يتيما، ولم يعجزه ذلك عن التعلم والدراسة.

ويتوهج بريق شباب الحضارة الإسلامية في بلاد الأندلس مع نبوغ الطبيب الأندلسي أبي العلاء ابن زهر بن عبدالملك، ومنذ صغره كان ولعا بعلم الطب وذلك في أيام المعتضد بالله حاكم الأندلس ، وأثرت نشأته في نضوج عبقريته مبكرا، فتعلم علي يد والده الطبيب الفقيه أبو مروان ابن أبي بكر، وهو من عائلة طبية، أطلقوا عليها عائلة بني زهر، ويصفه تلاميذه بأنه أعظم طبيب سريري بعد الرازي، ولا يطمئن له بالا إلا وقت مباشرته لمرضاه داخل أروقة المستشفي.

ولم تنحصر شبيبة الحضارة الإسلامية في العلم والفقه والأدب، وطالعتنا بشباب قادة وملوك، وفي عمر 15 عاما يقود هارون الرشيد جيشا ، ويفتح بلادا، ويتولي خلافة الأمة الإسلامية في العشرين عاما، وتزدهر الدولة في عهده، وكان ملوك أوروبا يتوددون إليه موالاة وخوفا.

وصقر قريش عبد الرحمن القرشي أسس دولة الأندلس وعمره 25 عاما، ونجح في وأد الفتنة بعقلية شابة وبأيدٍ فتية، وبدأ في بناء الأندلس ، ورفع من شأن العلماء، وزاد في توقيرهم، وجاهد في نشر العلم داخل دولته الفتية، وأسس مؤسسات للدولة، واهتم باقتصادها، وجلب الزهور والشتلات من أنحاء العالم، وصارت بلادا غنية بالحدائق، وكانت من دلائل عبقريته الشابة، ومازالت باقة الحضارة الإسلامية تذخر بالزهرات الشابة تنتظر مريديها.

أضف تعليق