يطرح المفكر والمؤرخ القضائى القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة فى دراسته التوثيقية بعنوان "القسم الرئاسى لليمين الدستورية لولاية تالية للرئيس السيسى(24-30) , وإجراءات وطقوس ومراسم القسم الدستورى " فى مفاجأة كبيرة ، تساؤلاً مهما عن أن العرف الدستورى يلعب دورا مهما فى استقالة الحكومة بولاية جديدة للرئيس رغم عدم النص عليها فى الدستور (أمثلة فى أعراف الدساتير المصرية والفرنسية ) , وذلك بعد أداء الرئيس عبدالفتاح السيسي اليمين الدستورية أمام مجلس النواب في جلسة خاصة بالعاصمة الإدارية الجديدة لفترة رئاسية جديدة تالية مدتها 6 سنوات (2024-2030) ، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية التي اُجريت في ديسمبر الماضى بنسبة 89.6 % .
يقول الدكتور محمد خفاجى "أن الدستور هو مجموعة الأحكام التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها، وتنظيم سلطاتها ، وطريقة توزيع هذه السلطات، وبيان اختصاصاتها، وبيان حقوق المواطنين وواجباتهم , وأن الأمر بالنسبة لمجلس الوزراء يختلف عن الأمر بالنسبة للمحافظين , فبالنسبة للمحافظين تكفل بتنظيم المسألة نص المادة 25 من القانون رقم 43 لسنة 1979 بإصدار قانون نظام الإدارة المحلية وخلاصتها أن المحافظين يعتبرون مستقيلين بقوة القانون بإنتهاء مدة رئاسة الجمهورية لأنهم يمارسون اختصاصاتهم بموجب ولاية الرئيس وهى اختصاصات تنتهى بانتهاء ولاية الرئيس , وحتى لا تصاب المرافق العام بفراغ يضر بسيرها بانتظام يستمرون أياماً فى مباشرة أعمال وظائفهم - بما تقتضيه القيام بأعباء الولاية الجديدة التالية للسيد الرئيس - حتى يقوم رئيس الجمهورية فى ولايته التالية الجديدة بتعيين المحافظين الجدد. أما مجلس الوزراء والوزراء فقد خلا دستور 2014 من تنظيم المسألة ولم يتعرض لها أيضاً المشرع العادى بالتنظيم ."
ويضيف الدكتور محمد خفاجى " صحيح أن المادة 146 من دستور 2014 التى ناطت برئيس الجمهورية سلطة تكليف رئيس مجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب بالتنظيم الوارد بها , لا ترتبط بولاية جديدة للرئيس , إذ يبق للرئيس سلطته التقديرية المطلقة التى يراها فى توقيت هذا التكليف , بدليل أن المادة 147 عقدت السلطة لرئيس الجمهورية بشأن إعفاء الحكومة من أداء عملها بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب فى الوقت الذى يراه . ولرئيس الجمهورية إجراء تعديل وزاري بعد التشاور مع رئيس الوزراء وموافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة للحاضرين وبما لا يقل عن ثلث أعضاء المجلس , وكل هذا التنظيم الدستورى لم يربطه المشرع الدستورى بولاية جديدة للرئيس ."
ويشير " لكن جرى العرف الدستورى فى الدساتير المصرية السابقة على أن الحكومة تقوم بتقديم استقالتها عند ولاية الرئيس الجديدة وهذا ما قامت به حكومة الدكتور عاطف صدقي عندما فاز الرئيس الأسبق مبارك بفترة الرئاسة الثانية ثم فترة الرئاسة الثالثة، كما تم إعادة تشكيل حكومة الدكتور أحمد نظيف الثانية مع فوز الرئيس الأسبق مبارك في انتخابات 2005. وهكذا فإن العرف الدستورى يذهب إلى ضرورة استقالة الحكومة، بسبب بدء فترة رئاسية جديدة تالية ، ولسنا مع الرأى الذى يرى أن الحكومة تقوم بتقديم استقالتها في حالة انتهاء ولاية مجلس النواب أو في حالة حله ، بركيزة أن البرلمان الجديد يعتمد الحكومة الجديدة.فمثل هذا الرأى يتصادم مع العرف الدستورى المذكور ويضعف روح تطلع الشعب مع ولاية جديدة للتقدم والتنمية ".
ويؤكد " أن العرف الدستوري له مكانته كمصدر من المصادر الرسمية والمباشرة للقواعد الدستورية فى سواء في الدول ذات الدساتير غير المدونة أو العرفية حيث يُعدّ العرف أهم مصادرها،أم الدساتير المرنة , أم في الدول ذات الدساتير الجامدة – وهى سمة الدساتير المصرية - التى تتطلب إجراءات خاصة لتعديلها، حيث نظمتها المادة - 226 - من دستور مصر 2014، وهو يعنى تواتر العمل من قبل إحدى السلطات الحاكمة في الدولة في موضوع من المواضيع ذات الطبيعة الدستورية، بما يؤدي إلى رسوخ الاعتقاد لدى هذه السلطات بضرورة اتباع هذا المسلك، وإلزاميته من الناحية القانونية , وللعرف الدستورى ركنين الركن المادى ويقصد به التصرف الإيجابي أو السلبي لإحدى الهيئات الحاكمة بصورة مطّردة وثابتة وواضحة في شأن من الشئون ذات الطبيعة الدستورية. والركن المعنوي الذي ينصرف إلى ذلك الشعور الذي يتولد في ضمير الجماعة بأن هذا التصرف قد أصبح ملزماً واجب الاتباع، وهذا الشعور هو الذي يكسب التصرف القوة القانونية الملزمة. "
ويذكر الدكتور محمد خفاجى " أن العرف الدستورى الذى جرى فى الدساتير المصرية السابقة على أن الحكومة تقوم بتقديم استقالتها عند ولاية الرئيس الجديدة على نحو ما سلف - يعتبر عرفاً مكملاً , وهو يكون حينما يكون يوجد نقص أو قصور في نص الدستور لعدم معالجته موضوعاً معيناً يتصل بنظام الحكم في الدولة فإن العرف قد ينشئ حكماً جديداً يكمل به النقص الذي اعترى الدستور، وبهذا يتحدد دور العرف المكمل في تنظيم مسائل دستورية أغفل المشرع الدستوري تنظيمها. والعرف المكمل هنا يختلف اختلافاً جوهرياً عن العرف المفسر؛ فالأول يتصدى لموضوع جديد لم يعالجه المشرع الدستوري، ويخلق قاعدة جديدة، في حين أن الثاني يعمل من خلال نص دستوري قائم، ويكتفي بإزالة ما يشوبه من لبس وغموض وإبهام، من خلال تفسير النص وتوضيحه."
ويعطى الدكتور محمد خفاجى أمثلة من الدساتير الفرنسية عن العرف المكمل فيقول " من الأمثلة على هذا العرف منصب رئيس الوزراء في دستور الجمهورية الثالثة الفرنسي لعام 1875، فقد خلت نصوص الوثيقة الدستورية من أدنى تلميح لهذا المنصب، إلا أن الحاجة إلى وجود رئيس لمجموعة الوزراء لضمان التنسيق بينهم وتمثيل الحكومة أمام البرلمان والرأي العام تمخضت عن قاعدة عرفية أوجدت منصب رئيس الحكومة. ومثل ذلك أيضاً إنشاء قاعدة في فرنسا تمنع من إبرام عقد قرض عمومي إلا إذا صدر قانون يسمح بذلك، وإذا كان القانون والدستور الصادران في 1815 ينصان على تلك القاعدة , فإن الدساتير التي تلتها لم تنص عليها انطلاقا ومع ذلك استمر تطبيقها لاستقرارها عرفيا فغدت بذلك عرفا دستوريا مكملاً ونص دستور 1875 على أن الانتخاب يتم على أساس الاقتراع العام دون أوضاع هذا الانتخاب فكمله العرف بأن جعله على درجة واحدة".
ويختتم الدكتور محمد خفاجى " رغم أن القيمة القانونية للعرف المكمل اختلف الفقهاء في تحديدها، إلا أننا مع الاتجاه إلى إلحاق العرف المكمل بالعرف المفسر من حيث القيمة القانونية؛ أي إن له القيمة القانونية نفسها للنصوص الدستورية المكتوبة. إذ يقوم بتنظيم سكوت المشرع الدستوري عما أغفله من تنظيم لأحد الموضوعات. وهذا الاتجاه هو السائد لدى غالبية الفقهاء. وتبقى فى النهاية سلطة السيد الرئيس هى الفصيل والمحك فى تقدير وقت ممارسة سلطته الدستورية بهذا الشأن " .