يعيش الطفل الفلسطيني واقع وحياة مؤلمة، فمنذ أن تتفتح عيناه، وهو يدفع ثمنًا باهظًا من طفولته وحياته، كل يوم، بل كل لحظة، دون أن يرتكب ذنبًا واحدًا، «ويكاد يكون الطفل الفلسطيني هو الوحيد في العالم الذي قد يصبح شهيدًا بمجرد مولده» في تلك الأراضي المحتلة، أو يتحول لأسير وسجين إداري، وعمره بضع سنوات، وبالطبع استشهاده أو تعرضه للإصابة والتعذيب والتنكيل أمرا وارد جدًا، ما دام يحمل الجنسية الفلسطينية، ويحيا على الأرض المحتلة، ويرفض أن يعيش تحت كنف الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، فـ الطفل الفلسطيني هو الطفل الوحيد في العالم الذي يُقتل وتُفقد آثاره تحت أنقاض المباني، التي يدمرها جنون آلة الحرب الإسرائيلي العمياء، التي تُبيد كل ما تطول؛ لتصبح مجرد فكرة أن ينام هذا الطفل الذي يفتقد لأدنى حقوقه الإنسانية، ويستيقظ دون أن ينفزع من أصوات القذائف والقنابل التي تتساقط على الرؤوس كالمطر، حُلمًا جميلًا يراود خياله.
وفي يوم الطفل الفلسطيني ، الذي يصادف الخامس من أبريل كل عام، حرصت «بوابة دار المعارف»، أن تسلط الضوء على معاناة وآلام الأطفال الفلسطينية، وكذلك رسائلهم وآمانيهم، لعل يتحرك ساكنا.
أخشى ضياع أحلامي
تبدأ، ما شاء اللّٰه حمزة عيد.. عشرة أعوام.. النازحة مع عائلتها من وسط قطاع غزة لـ مدينة رفح الفلسطينية ، قائلة: الحرب غيرت شكل الحياة بالنسبة إلينا جميعًا، جعلتها قاسية، قبل الحرب كان لدي العديد من الأمنيات والأحلام التي أتمنى أن تتحقق في يومًا من الأيام، فأنا موهوبة في الرسم والتلوين وكان كل يوم جديد يأتي كان حُلمي بأن أكون رسامة يكبر وشغفي بالرسم والتلوين يزيد، لكن الآن «أخشى أن تضيع أحلامي»؛ بسبب الحرب التي قيدت أحلامنا وقيدتنا بجانبها، فقبل الحرب كنت كل يوم أذهب إلى مدرستي وأرى أصدقائي، ثم أعود إلى منزلنا ونذاكر ونلعب ونضحك، وكان يومنا يُمر علينا بسلام وأمان، أما الآن أصبح لا هناك مدرسة ولا لعب ولا أي شئ.
وبصوتٍ حزين، أضافت: أفتقد الشعور بالأمان، قبل الحرب كنا نخرج من بيوتنا دون خوف، نذهب للمدرسة، وللحديقة، ولرؤية الأصدقاء، أما الآن لم يعد هناك أي شئ نهائي، حتى لم نعد نستطيع الخروج أو التحرك خطوة واحدة من جانب أهالينا، لا يوجد أي شعور بالأمان، لما أكن أدرك معنى الأمان قبل الحرب، أما الآن أتمنى أن أشعر بالأمان، أتمنى أعيش في أمان وسط جميع عائلتي ولكن ليس في رفح، أتمنى العودة إلى غزة، وإلى بيتنا التي تربيت فيه، وأتمنى العودة دون أن افقد أي فرد من عائلتي، أتمنى السلامة لي ولهم جميعًا.
ومن جانبه، يقول محمد رائد دودين.. نجل الأسيرة المحررة منال سعيد دودين.. عشرة أعوام.. من سكان محافظة الخليل بالضفة الغربية: حياتنا قبل الحرب، كانت جميلة جدًا، والأيام كانت حلوة، كان لا يوجد اقتحامات كثيرة مثل هذه الفترة، كان الجيش الإسرائيلي يقتحم المدن والقرى كل فترة، لكن كان لا يرتكب مجازر مثل التي تحدث الآن منذ أن بدأت الحرب.
فقدان الأمان
وأضاف: قبل حدوث الحرب كنت كل يوم تقريبًا اخرج من المنزل، أذهب مع أهلي وأخواتي إلى أماكن كثيرة حلوة، أو نخرج نلعب مع أصدقاءنا أو أذهب مع أحد أخواتي لشراء حلوى ثم نعود للمنزل بأمان وهدوء، أما الآن مجرد خروحنا من البيت واللعب مع أصدقاءنا بجانب منزلنا أصبح ممنوعًا؛ بسبب اقتحامات الجيش المتكررة، «فقدنا الشعور بالأمان» ونحن متواجدين في منزلنا، لذلك أصبحنا شبه لا نراه الشارع ولا نستنشق الهواء.
وزفر «محمد» بأسى شديد، وتابع: انحرمنا من كل شئ، لكن أكثر شئ انحرمنا منه منذ بدء الحرب، وهو الأمان «أصبحنا خائفين وحتى ونحن داخل منزالنا»، نخاف ليلًا ونهارًا، وشعور الخوف تمكن مننا وفينا، خاصةً بعدما اقتحمت القوات الإسرائيلية منزلنا وأخذوا أمي من بيننا، وحينها كنا نائمين هجموا على بيتنا واعتقلوا أمي؛ لذلك كل ما اتمناه هو أن تعود بلدنا حرة، ويعود الأمان لبلدنا ولأنفسنا، ويذهب الخوف إلى الأبد، وهذه هي أمنيتي وأمنية كل فلسطيني، أن نتحرر ويتحرر القدس، وتنتهي الحرب، ويعود لأمي كل شئ سلبوا منها عندما اعتقلوها، وأتمني أن يعود جميع الأسرى إلى منازلهم وسط أهاليهم، ونعيش مثل كل الشعوب في أمان، وتعود غزة عامرة وينتهي الدمار، وأبناءها يعيشون بأمان.
أما كرمل رائد دودين.. نجلة الأسيرة المحررة منال سعيد دودين.. سبعة أعوام.. من سكان محافظة الخليل بالضفة الغربية، قالت: حياتنا قبل الحرب كانت أفضل بكثير من حياتنا الآن؛ لأن في الحرب لا يوجد أمان، الجميع يستشهد، وحتى الأطفال الصغار والأمهات، دون أن يفعلوا شئ يستحقون عليه الموت، نرى في فلسطين أطفال كثيرة فقدوا جميع أهاليهم؛ بسبب القصف الإسرائيلي على الناس في غزة دون سبب، حتى هنا في الضفة كل يوم العربات الإسرائيلية تقتحم وتهجم على الأهالي، «وأنا وكل الأطفال هنا نعيش في خوف ورعب»، نخاف حتى نخرج من بيوتنا نصل إلى أي مكان قريب؛ حتى لا نستشهد مثل باقي أهالينا في غزة .
حياتنا أصبحت حزينة
واسترجعت «كرمل» ذكرياتها قبل الحرب، وأضافت: قبل الحرب كان لا يوجد خوف ولا رعب مثل الآن، مع إن إسرائيل ما كانت ترحمنا أيضًا، طول الوقت كنت أعلم من حديث أبي وأمي أن إسرائيل اقتحمت ودخلت البلدات، لكن قبل الحرب كنت انا وأخواتي نذهب مع أبي وأمي في أماكن كثيرة حلوة، وكنا نزور أقاربنا ونلعب مع الأطفال مثلنا، لكن منذ أن بدأت الحرب لم نتمكن من الخروج لأي مكان، وحتى ما عاد هناك لعب ولا فرحة، حياتنا أصبحت عبارة عن حزن وخوف طوال الوقت، على أنفسنا وجميع أهلنا في غزة،
وتابعت: منذ أن بدأت الحرب والجميع حزين كل أهالينا وجيراننا، حتى نحن الصغار أصبحنا لا نلعب ولا نفرح، وأصبح كل شئ ممنوعا، ممنوع نخرج من البيوت، ممنوع نطلع رحلة، حتى «أصبحنا نخاف ننام بسلام»؛ بسبب أن الجيش الإسرائيلي يظل يقتحم كل مكان، ويقتل الأهل ويعتقل الآباء والأمهات، مثلما فعلها أول الحرب، واقتحم منزلنا واعتقل أمي، وحينها كنت أنا وأخواتي خائفين عليها، وكنا نتمنى أن نراها مرة أخرى، وظل الخوف والرعب في قلوبنا حتى عادت إلينا، وكل أمنيتي في هذه الحياة أن تنتهي الحرب، وتعود حياتنا كما كانت، ونخرج من بيوتنا ونسير في الشوارع بآمان وننام ونفيق بسلام، وبتمنى تعود الحياة لأهل غزة، ونذهب إلى القدس والأقصى مع أهالينا بدون حواجز، وما يمنعنا الجيش الإسرائيلي من الدخول.