المسارات السبعة .. ملامح الجمهورية الجديدة في خطاب الرئيس

أدي الرئيس عبد الفتاح السيسي الأسبوع الماضي اليمين الدستورية أمام البرلمان من داخل العاصمة الإدارية الجديدة ، أعقبها توجيه كلمة إلي الأمة حملت ملامح الجمهورية الجديدة ومسار خارطة الطريق للولاية الجديدة للرئيس.

بدأ الرئيس كلمات خطابه بقول الله تعالي (قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

جاء خطاب الرئيس عقب أداء اليمين الدستورية ليسجل أول خطاب إلي الأمة من قاعة البرلمان التي تعقد فيها جلساته لأول مرة بمقره الجديد بالعاصمة الإدارية، إيذانًا بنقل مؤسسات الحكم إلي العاصمة الجديدة، كأحد مسارات الجمهورية الجديدة التي تستهدف النهوض بالوطن للوصول به إلي المكانة التي تليق به، والارتفاع بمستوي جودة الخدمات التي يتلقاها المواطن خلال المرحلة المقبلة، بعد سنوات استطاع أن يتحمل فيها مواجهة العديد من التحديات عندما أعلنها المواطن بصوت قوي أنه مصطفٌ خلف الوطن للحفاظ عليه مهما تحمل من تبعات؛ الأمر الذي جعل الرئيس عبد الفتاح السيسي في بداية كلمته عقب قراءته للآية 26 من سورة آل عمران أن يوجه التحية والتقدير والشكر للمواطن المصري الذي دائمًا ما يصفه الرئيس بأنه بطل الملحمة الحقيقي، لأنه كان أكثر قوة وصلابة في مواجهة التحديات وأكثر قدرة علي الإنجاز في وقت قياسي، في ظل أوضاع سياسية واقتصادية محيطة تضربها النزاعات وعدم الاستقرار.

لقد استطاع المصريون بالتفافهم خلف قيادتهم أن يعبروا أصعب الفترات في عمر الوطن.

فلولا وحدة الشعب واصطفافه خلف قيادته في مواجهة الإرهاب لما استطاعت مصر أن تنتصر في معركة تعد من أخطر وأقوي المعارك، خاصة أن الجيوش النظامية الكبري فشلت في تلك المواجهة، فلا يوجد جيش نظامي واحد علي مستوي العالم استطاع أن يحقق نصرًا في تلك المعركة سوي الجيش المصري ، وذلك لاصطفاف الشعب خلفه وثقة الشعب في قيادته.

لقد تسلح المصريون بإيمانهم بوطنهم ونور حضارتهم التي أضاءت العالم فحملوا مشاعل النور في مواجهة قوي الظلام والدمار والدم، لينتصر الوطن وينطلق في مسيرة بناء ضخمة بأيدي رجاله المخلصين تحميه سواعد الأبطال ورؤية قائد مخلص لوطنه.

لقد استعرض الرئيس حجم التحديات التي واجهها الوطن خلال المرحلة الماضية، وما زالت آثارها حتي الآن وكيف أن وحدة الشعب كانت ولا تزال هي الضمانة الأولي للعبور بهذا الوطن إلي المكانة التي يستحقها.

فطريق بناء الأوطان ليس بالأمر السهل فقال الرئيس السيسي خلال كلمته «لعل السنوات القليلة الماضية.. أثبتت أن طريق بناء الأوطان ليس مفروشًا بالورود.. وأن تصاريف القدر.. ما بين محاولات الشر الإرهابي بالداخل.. والأزمات العالمية المفاجئة بالخارج.. والحروب الدوليـة والإقليميـة العاتية من حولنا تفرض علينا مواجهة تحديات.. ربما لم تجتمع بهذا الحجم وهذه الحدة..

عبر تاريخ مصر الحديث وهي التحديات التي لم يكن لنا أن نصمد في وجهها، لولا عراقة شعبنا العظيم.. وما بذله من جهود خارقة، عبر السنوات الماضية، لإعادة بناء بلادنا.. وتقوية بنيانها بما يمكننا من اجتياز أي صعوبات.. بمشيئة الله»

لقد واجهت الدولة المصرية خلال الفترة الماضية العديد من التحديات علي رأسها محاولة جرها إلي مربع الفوضي وعدم الاستقرار، إلا أن قوي الشر فشلت في ذلك وقدم المصريون للعالم نموذجًا في الحفاظ علي الدولة بما قدموه من أبنائهم فداءً للوطن في معركة مواجهة الإرهاب.

كما استطاع الشعب تحمل فاتورة الإصلاح الاقتصادي وتبعات الأزمات الدولية المتلاحقة بدءًا من أزمة الأسواق الناشئة مرورًا بأزمة كورونا ثم الأزمة الروسية الأوكرانية التي لا تزال ممتدة ومدي تأثيرها علي سلاسل الإمداد، وكذا الأزمة الفلسطينية التي تقترب من الشهر السابع، والتي امتدت آثارها إلي البحر الأحمر والتأثير علي خطوط التجارة الدولية، وقد حذرت مصر كثيرًا من انتقال مناطق الصراع لما له من تأثير علي العالم أجمع والمنطقة.

ومنذ بداية الأزمة في الأراضي المحتلة ومصر تطالب المجتمع الدولي بالوقوف أمام مسئولياته والتصدي للعدوان الإسرائيلي والوقف الفوري لإطلاق النار.

لقد وضع الرئيس خلال كلمته إلي الأمة ملامح المرحلة المقبلة في عمر الجمهورية الجديدة والتي يعد الانتقال إلي العاصمة الإدارية كما ذكرت هو إحدي خطواتها.

فقد جاءت المسارات السبعة التي حددها الرئيس للمرحلة المقبلة متمثلة في:

المسار الأول: علي صعيد العلاقات الخارجية المصرية.. فالدولة المصرية خلال المرحلة المقبلة ستواصل عملها للحفاظ علي الأمن القومي المصري وتعزيز العلاقات المتوازنة مع جميع الأطراف في عالم جديد تتشكل ملامحه.. وتقوم فيه مصر.. بدور لا غني عنه.. لترسيخ الاستقرار، والأمن، والسلام، والتنمية.

في الوقت الذي تتشكل فيه قوي اقتصادية صاعدة ( مجموعة البريكس ) نجد مصر قد أصبحت عضوًا بالمجموعة الجديدة والتي من المتوقع خلال الفترة القادمة أن تزداد قوتها الاقتصادية.

كما أن مصر تقترب من عضوية مجموعة العشرين في ظل حرص المجموعة علي دعوة مصر دائمًا لاجتماعاتها لما لمصر من دور محوري في المنطقة العربية والشرق الأوسط وإفريقيا.

إن ما تحقق خلال الفترة الماضية من نمو كبير في العلاقات المصرية الخارجية، ستواصل مصر استكمال مسيرتها في هذا الاتجاه الذي جعلها تحظي بثقة العالم.

لقد جاء قرار برلمان البحر المتوسط الأسبوع الماضي بمنح الرئيس السيسي جائزة بطل السلام لعام 2024 لجهوده الإنسانية الضخمة لإحلال الأمن والاستقرار في المنطقة، خاصة ما يتعلق بأزمة غزة والجهود المضنية لاحتواء الموقف.

كما ستواصل مصر تحركها باتجاه تنمية القارة الإفريقية التي توليها أهمية خاصة، بالإضافة إلي قضيتها الأساسية وهي القضية الفلسطينية .

المسار الثاني: والذي يشمل السياسة الداخلية، فقد انتهجت الدولة المصرية منهجًا وهو الحوار وضرورة الاستفادة من القدرات الشبابية التي تمتلكها مصر.

فستواصل الأمانة العامة للحوار الوطني عملها في محور من أهم المحاور وهو المحور الاقتصادي والذي بدأت العمل فيه منذ عدة أشهر، وقد جاء تأكيد الرئيس السيسي علي حرص الدولة علي تنفيذ كل التوصيات التي يصل إليها الحوار لمواجهة الأزمات الاقتصادية وكذا الرؤي المطروحة من أجل تجنب حدوث أي عثرات تواجه الاقتصاد.

فقد قال الرئيس السيسي: «استكمال وتعميق الحوار الوطني خلال المرحلة المقبلة.. وتنفيذ التوصيات التي يتم التوافق عليها.. علي مختلف الأصعدة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها في إطار تعزيز دعائم المشاركة السياسية والديمقراطية.. خاصة للشباب».

المسار الثالث: والذي استهدف تعظيم القدرات الاقتصادية للدولة بعد أن استطاعت خلال السنوات العشر الماضية أن تنجح في إنشاء أكبر شبكة بنية تحتية متطورة، الأمر الذي يجعل الدولة قادرة علي الاستفادة من مواردها وتعظيم قدراتها.

ففي ظل الأزمات العالمية المتتالية بات من الضروري العمل علي توفير الأمن الغذائي الذي بدوره يحتاج إلي تنمية زراعية واسعة، وكذا تنمية الصناعة وقطاع التكنولوجيا، الأمر الذي جعل الرئيس يؤكد خلال كلمته تبنيه استراتيجيات تعظم من قدرات وموارد مصر الاقتصادية.. وتعزز من صلابة ومرونة الاقتصاد المصري في مواجهة الأزمات مع تحقيق نمو اقتصادي قوي ومستدام ومتوازن.. وتعزيز دور القطاع الخاص كشريك أساسي في قيادة التنمية.. والتركيز علي قطاعات الزراعة، والصناعة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.. والسياحة، وزيادة مساهمتها فـي الناتـج المحلـي الإجمالي تدريجيـًا وكذلك زيادة مساحة الرقعة الزراعية والإنتاجية.. للمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي لمصر وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية..

لتوفير الملايين من فرص العمل المستدامة مع إعطاء الأولوية لبرامج التصنيع المحلي.. لزيادة الصادرات.. ومتحصلات مصر من النقد الأجنبي.

لقد بدأت الدولة المصرية مسار الحفاظ علي الأمن الغذائي وذلك من خلال تبني مشروع توسيع الرقعة الزراعية، والعمل وفق أحدث ما وصل إليه العالم من الأساليب الزراعية لزيادة الإنتاج وتحقيق أعلي جودة وفق المواصفات الأوروبية.

وهو ما تم العمل به في مشروع مستقبل مصر والدلتا الجديدة وتوشكي وشرق العوينات والريف المصري، لتقترب مصر في نهاية 2030 من مضاعفة مساحة الرقعة الزراعية لها رغم التحديات التي يأتي في مقدمتها المياه، في ظل حصة ثابتة رغم الزيادة السكانية الضخمة.. الأمر الذي جعل الدولة المصرية تعمل علي حلول غير تقليدية لمواجهة تلك الفجوة.

المسار الرابع: أكد الرئيس خلال كلمته علي تبني إصلاح مؤسسي شامل يهدف إلي ضمان الانضباط المالي وتحقيق الحوكمة السليمة.. من خلال ترشيد الإنفاق العام.. وتعزيز الإيرادات العامة.. والتحرك باتجاه مسارات أكثر استدامة للدَّين العام، وكذلك تحويل مصر لمركز إقليمي للنقل وتجارة الترانزيت.. والطاقة الجديدة والمتجددة، والهيدروجين الأخضر ومشتقاته إلي جانب تعظيم الدور الاقتصادي لقناة السويس.

الأمر الذي يعد خطوة مهمة في مكافحة الفساد وتحقيق الشفافية وكذا تحقيق مزيد من الإيرادات.

هذا بالإضافة إلي تحقيق نقلة كبيرة للدولة المصرية بأن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة الجديدة والمتجددة، كما تعمل علي أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة بعد إنشاء منتدي غاز شرق المتوسط، والذي أصبح جاذبًا للعديد من الدول الكبري والتي تحرص علي عضوية المنتدي، كما تعمل مصر علي أن تصبح أكبر مركز لتداول الحبوب في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يجعل الدولة دائمًا قادرة علي مواجهة أي من التحديات الدولية خاصة بعد قيادة الدولة في إنشاء العديد من الموانئ الدولية والمخازن الاستراتيجية العملاقة.

المسار الخامس: ولأن العنصر البشري هو عماد التنمية والركيزة الأساسية لها الأمر الذي استوجب الاهتمام بالإنسان، فقد حدد الرئيس خلال كلمته تبنيه تعظيم الاستفادة من ثروات مصر البشرية من خلال زيادة جودة التعليم لأبنائنا.. وكذا مواصلة تفعيل البرامج والـمبادرات، الرامية إلي الارتقاء بالصحة العامة للمواطنين.. واستكمال مراحل مشروع التأمين الصحي الشامل.

المسار السادس: خلال السنوات الماضية ومع حدة التحديات التي واجهتها الدولة وخطوات الإصلاح تأثرت العديد من فئات المجتمع، الأمر الذي استوجب معه حرص الدولة علي القيام بحزم من الرعاية الاجتماعية للتخفيف من آثار الأزمات الاقتصادية، وكذا العمل علي تحسين جودة الحياة في الريف المصري الذي يتجاوز عدد سكانه أكثر من نصف سكان الدولة.

فقد أكد الرئيس السيسي خلال كلمته علي دعم شبكات الأمان الاجتماعي وزيادة نسبة الإنفاق علي الحماية الاجتماعية.. وزيادة مخصصات برنامج الدعم النقدي «تكافل وكرامة» وكذلك إنجاز كامل لمراحل مبادرة « حياة كريمة ».. التي تعد أكبر المبادرات التنموية في تاريخ مصر بما سيحقق تحسنًا هائلاً في مستوي معيشة المواطنين في القري المستهدفة.

المسار السابع: الاستمرار في البناء والتنمية والتعمير لأن الأوطان عندما تبني مستقبلها يكون العمران شاهدًا علي تلك المراحل، ولأن جودة الحياة والسكن هدف من أهداف الجمهورية الجديدة فقد حدد الرئيس مسارًا في رؤيته خلال السنوات القادمة، أكد فيها علي الاستمرار في تنفيذ المخطط الاستراتيجي للتنمية العمرانية واستكمال إنشاء المدن الجديدة من الجيل الرابع.. مع تطوير المناطق الكبري غير المخططة.. واستكمال برنامج «سكن لكل المصريين».. الذى يستهدف بالأساس.. الشباب والأسر محدودة الدخل.

أضف تعليق