أصحاب مفاتيح الجنة

في العصور الوسطى وبالتحديد في نهاية القرن العاشر الميلادي ظهرت « صكوك الغفران » التي تشترى لضمان المغفرة التامة، وظلت تتطور حتى بداية القرن السادس عشر وبالتحديد في 31 أكتوبر 1517 ليأتي المُصلح الديني « مارتن لوثر » ويقدم أطروحته الخمس والتسعين التي رفضت صكوك الغفران وأكدت أن الإيمان والتمسك به هو المخلص الحقيقي.

وكعادة البعض من رجال الدين الذين يستغلون حالة الشعوب وتعاطفهم ورغبتهم في التقرب إلى الله والفوز بالجنة، ينطلق هؤلاء باتجاه تغييب العقول وإشعال العاطفة، ومنح صكوك لدخول الجنة أو النار وكأنهم يمتلكون رحمة الله والعياذ بالله ، فيقسمونها كيفما شاءوا، فتتعدد الأشكال والمسميات في مختلف الديانات، وينطلق دعاة الضلال والشيطان، يروّجون لأفكارهم المسمومة المغلّفة بخطاب الدين حتى يستطيعوا السيطرة على العقول والقلوب فيغيّبون الأول ويجرّون الثاني جرًّا نحوهم فتحرك الشخوص باتجاههم ويروّج لأفكارهم دون إدراك أو تفكير، وكأن هؤلاء يملكون مفاتيح الجنة والنار.

إنها فكرة شيطانية ليست سوى ميراث من مسيلمة الكذاب الذي خدع البعض بما أسماه بيضة القارورة، فقد كان يضع البيضة في الخل مدة طويلة فتصبح كالعلكة تمط، فخدع بها أعين الناس وعقول الجهّال، زاعمًا أنه يوحى إليه.

لم تتوقف أحاديث الموتورين وأصحاب الشيطان عند هذا الحد، فأصبح تابعيهم من أصحاب التقية يتحدثون وكأنهم أصحاب مفاتيح الجنة يمنحونها لمن يشاءون ويمنعونها عن آخرين، ويستدلون باستدلالات كاذبة، هؤلاء من أصحاب الفكر المنحرف الذين لم يكن حسن الصباح أولهم ولم يكن آخرهم لكنه كان نموذجًا لأكبر عملية تضليل وتزييف وعي ونموذج للتقية التي توارثتها التنظيمات التي اتخذت من الدين ستارًا لها وتدثرت به فكفرت المجتمعات واستحلت دماء الأبرياء، ونصَّبت نفسها للحكم والفصل بين الناس، فمن في فرقتهم فهو من المؤمنين، ومن هو دون ذلك ولا يؤمن بما يزعمون فهو مارق كافر والعياذ بالله.

(1) لقد ادعى حسن الصباح أنه صاحب مفتاح الجنة وأنه قادر على إدخال من يشاء للجنة وحرمان من يشاء منها، بل إدخاله النار وهذا الفكر ليس حكرًا على «الحشاشين والصباح» فقط بل عقيدة فاسدة توارثتها الجماعات التكفيرية وتظهر فى أدبيات وأفعال وفتاوى الإخوان والسلفيين وداعش والقاعدة وغيرها من الجماعات الإسلاموية «الإسلام السياسي».

كما أن المتابع للسوشيال ميديا يجد أن الإخوان والجماعات التكفيرية يمنحون الجنة لمن يتبعونهم ويحرمون منها من يرفض فكرتهم ومخططاتهم، وهذا يظهر جليًا عند وفاة أى شخص يختلف مع الإخوان فهم يؤكدون أنه لن يدخل الجنة مهما كان عمله، والأغرب أنه لو مات أحد أتباعهم أو حلفائهم فى يوم له مكانة دينية مميزة مثل رمضان أو الجمعة قالوا إن هذا دليل على حُسن الخاتمة، ولو مات مخالفًا لهم فى ذات اليوم قالوا إن ذلك لا يدل على حُسن الخاتمة وإلا كان الرسول والخلفاء الراشدون والمبشرون بالجنة أولى بالوفاة فى تلك الأيام وهذا ظهر مؤخرًا مع وفاة الأستاذ الدكتور أحمد فتحى سرور ، رئيس البرلمان الأسبق، والذى توفى ليلة 27 رمضان (المشهورة بليلة القدر)، وحدث أيضًا عند وفاة الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر الأسبق، فى الأراضى السعودية والذى وافته المنية قبل ركوبه الطائرة عائدًا لأرض الوطن ودُفن بالبقيع (مقابر شهداء بدر، الأرض التى تشفع لمن دفن بها كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام) فقالوا إن هذا ليس له أى قيمة بل زعموا أن الدكتور طنطاوى مات فى مصر وليس السعودية وتم تسفير جثمانه للسعودية ودُفن بقبر عادى فى السعودية وليس بالبقيع وأن ما حدث مجرد تمثيلية!! ويأتى هجومهم وكراهيتهم للدكتور طنطاوى رحمه الله من أنه حارب فكرهم وقضى على خلاياهم بجامعة الأزهر والمعاهد الأزهرية، وعدل مناهج الأزهر لتصحيح المفاهيم والقواعد الفقهية التى بنى السلفيون و الإخوان أفكارهم عليها بل حارب النقاب السلفى والذى ترتديه فتيات صغيرات بالإكراه ومحاولة نشر هذا الفكر فى المعاهد الأزهرية الخاصة بالفتيات «الابتدائية والإعدادية» فى الريف والصعيد.

لقد شنت الكتائب الإلكترونية لتنظيم الإخوان وعدد من التنظيمات التكفيرية حملات تشويه ضد الدكتور أحمد فتحى سرور عقب إعلان وفاته.

(2) بالطبع هناك نماذج أخرى هاجمها الإخوان والجماعات الظلامية عند وفاتها مثل الرئيس الأسبق حسنى مبارك والمشير طنطاوى وسيد القمنى وابن الفنان حسن يوسف والفنانة المعتزلة شمس البارودي، بل الشهداء الذين لم تشفع لهم عند الإخوان شهادتهم ووعد الله لهم بالجنة مثل الرئيس السادات والذى يهاجمونه حتى الآن بعد أن أحلوا دمه واغتاله عناصر الجماعة الإسلامية فى ذكرى نصر أكتوبر ، وكذلك الشهيد أحمد المنسى والدكتور رفعت المحجوب وغيرهم من شهداء الجيش والشرطة.

إن صكوك الجنة والنار الإخوانية ليست دينية فقط بل سياسية أيضًا، فحينما كان الإخوان فى الحكم قدم حزب الحرية والعدالة «عن طريق «صبحى صالح»، مشروع قانون بخصوص المظاهرات والاعتصامات، وكانت مواد هذا القانون، وتحديدًا المادة 11 منه، تنص على أن «الشرطة لها كل الحق فى فض المظاهرة فى حالة قطع الطريق، سواء بشكل ثابت أو متحرك».

كما لا يترتب على أى نص من نصوص هذا القانون تقييد ما للشرطة فى الحق فى تفريق كل احتشاد أو تجمهر من شأنه أن يجعل الأمن العام فى خطر، بل إنهم نفذوا نموذجًا عمليًا لهذا الفكر فى فض اعتصام الاتحادية وقتلوا وعذبوا المتظاهرين بكل وحشية واتهموهم بالكفر والإلحاد والخروج عن الشرع ومحاربة الدين الإسلامي، و«شرب الخمر المستورد من دول الغرب الكافرة» وإنهم «فاسقين» يروجون الفتنة وقتلهم «وأدًا للفتنة ومن يروجها» وهذا ما حدث مع الشهيد الحسينى أبو ضيف والذى تم اغتياله لأنه يوثق وحشيتهم ضد المتظاهرين.. وعندما لفظهم الشعب المصرى وأسقطهم من الحكم قالوا إن التظاهرات العنيفة بل بالأسلحة النارية والاعتصام المسلح فى رابعة «حق مشروع»، وسيدخل أصحابه الجنة لو قتلوا ضباط الجيش والشرطة وسيكونون شهداء وليسوا قتلة ومعتدين ومفسدين فى الأرض لو قتلهم رجال الشرطة والجيش دفاعًا عن أنفسهم.

(3) المتحدث باسم الإخوان الإرهابى محمود غزلان قال لـ برنامج العاشرة مساءً فى إطار تفسير مشروع القانون: «لا بد أن نمنح السلطة حصانة ضد المساءلة عن أى تعامل أمنى مع المتظاهرين والمعتصمين ضد الدولة، وضحايا الاشتباكات من مصابين وشهداء يمكن تعويضهم عن طريق دفع الدية».

أما مرشد الإخوان «محمد بديع» فقال فى بيان رسمى أصدره أثناء واحدة من المظاهرات ضد برلمان وسياسات الإخوان: «هذه المظاهرات ضد ثورة الشعب وأغلبيته الواضحة وهدفها الوقيعة بين الشعب وقواته المسلحة، وتدعو الجماعة كل القوى الحية والشعب المصرى إلى العمل بكل قوة على وأد أى وقيعة أو فتنة، سواء بين صفوفه أو بينه وبين قواته المسلحة».

شخصيات غير سوية فإذا كان الأمر بجانبهم بات حلالاً وإن تعارض معهم فهو حرام.

كما قام حسن الصباح بإباحة الأغانى والموسيقى وتراقص الفتيات فى «حلم الجنة» الذى كان يرسل له الشباب الانتحارى من خلال الحشيش قبل تنفيذهم عمليات الاغتيال، قام الإخوان بإباحة الأغانى على منصة رابعة وسمحوا لـ «فتاة الفيزون» التى كانت ترتدى الملابس المثيرة «بادى ضيق وبنطلون فيزون ملتصق بجسدها» بالصعود لمنصة رابعة للتحدث بالإنجليزية فى محاولة لنقل رسالة للخارج بأن داعمى الإخوان من كل الفئات، وليس هناك قيود دينية عليهم وكذلك تنظيم حزب الحرية والعدالة الإخوانى (المنحل) أثناء حكم الإخوان حفل فنى ضمن مهرجان الغردقة السياحى فى يناير 2013 شاركت فيه الفنانة اللبنانية المثيرة للجدل دوللى شاهين بملابس مثيرة جدًا، وكذلك المطربة الشابة ريهام حلمى بفستان وردى قصير ومثير جدًا، وكأن أحاديث العفة «وحجابك عفتك وسلاحك» ذهبت أدراج الرياح وكذلك الفتاوى الإخوانية والسلفية التى تصف غير المحجبات بالكاسيات العاريات الفاسقات اللاتى ينشرن الرذيلة فى المجتمع.. وتحولت المرأة من عورة يجب حبسها فى منزلها إلى جزء أساسى فى مسيرات الإخوان بل تهتف بأعلى صوتها وكأن صوت المرأة لم يعد عورة.

كما كان حسن الصباح يدعى أنه الوسيط بين السماء والأرض «والعياذ بالله» وأنه يوحى إليه، ف الإخوان خلال اعتصام رابعة زعموا أن سيدنا جبريل نزل وزار الاعتصام وأن الملائكة كانت تعتصم معهم بل تدافع عنهم عند فض الاعتصام.

إنها تشوهات فكرية سيطرت على عقول هؤلاء فعندما رفضت السلطات المغربية فى 2016 ترشح الناشط السلفى المثير للجدل «حماد القباج» للانتخابات البرلمانية لم يهتم الإخوان والسلفيون بمناقشة الموضوع قانونيًا أو حتى سياسيًا، بل سارعوا بتحويل الأمر لقضية دينية عليا حتى إن الداعية الإخوانى أحمد الشقيرى نشر تدوينة على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعى فيس بوك: «صبرا آل القباج.. فإن موعدكم الجنة إن شاء الله»، وكأنه يتحدث عن «آل ياسر» الذين بشرهم رسول الله بالجنة فمنهم خرجت أول شهيدة فى الإسلام «سمية أم عمار بن ياسر» وأول شهداء الإسلام «ياسر» وأحد أعظم فرسان الإسلام «عمار بن ياسر».. وبالطبع امتد الكلام لتكفير السلطات المغربية التى تحارب «الموعود بالجنة» حماد القباج!

قرار مع إيقاف التنفيذ

أصدر مجلس الأمن قرار رقم 2728 بوقف فورى لإطلاق النار فى غزة خلال شهر رمضان تحترمه جميع الأطراف بما يؤدى إلى «وقف دائم ومستدام لإطلاق النار»، والإفراج الفورى وغير المشروط عن جميع الرهائن.

لكن إسرائيل ضربت عرض الحائط بالقرار وواصلت مجازرها ضد الشعب الفلسطينى وسط عجز دولى واستمرار تدهور الأوضاع الإنسانية فى الأراضى المحتلة ليصبح قرارًا مع إيقاف التنفيذ.

أضف تعليق