إن الأمم والمجتمعات تقوم على أسس وثوابت من القيم والفضائل والمبادئ والشمائل تكون سبباً لظهور الخير وانتفاء الشر، تصون هذه القيم وتلك المبادئ كرامة هذه الأمم وتعمل على تقويم إعوجاجها وتُعيدها إلى الطريق القويم، وتوجه سيرها نحو الطريق الصحيح الذي أراده الله تعالى منها، وتحقيق الغاية النبيلة التي خلقه الله من أجلها.
وهذه الأسس والثوابت من القيم والفضائل والمبادئ والشمائل لو انتشرت فى أمة من الأمم حصل الخير جلياً ظاهراً وانعكس ذلك على سلوكيات الناس فى حياتهم وفى معاشهم وتعاملاتهم، فترى الخير يظهر على الشر، وترى الحق يعلو على الباطل، وهنا يأخذ كل إنسان حقه وافياً مستوفياً فيدع ما ليس له حق فيه، فلا تمتد يده إلى شيء لا يستحقه وليس من ممتلكاته، فيتعامل الناس بالخير والبر والإحسان، يألف بعضهم بعضاً ويحرص كل واحد منهم على إيصال الخير للغير فيحب لأخيه ما يحبه لنفسه.
إنها لحياة عظيمة حياة كريمة تسمو فيها القيم وتعلو فيها الأخلاق وتنتشر فيها المبادئ الحسنة بين الناس فيصير المجتمع مجتمعاً أمناً مستقراً مطمئناً ليس فيه فتن ولا محن ولا فوضى ولا اعتداء ولا غير ذلك فيتمتع هذا المجتمع بالأمن والأمان، ويُصبح مجتمعاً لا يعتدي فيه أحد على أحد ولا يأخذ أحد حق أحد، مجتمع متعاون ومتآلف، من غاب منهم افتقدوه، ومن احتاج أعانوه، ومن مرض عادوه، ومن كان فى حاجة قاموا معه، فعلامَ نختصم وفيم يختصمون، فذلك هو المجتمع الآمن.
فعندما تنتشر بين الناس المبادئ الحسنة التى دعى لها ديننا العظيم، الذي يأمر بصلاح وإصلاح المجتمعات بالعدل والإحسان والحرص على التفضل والتجاوز بين الناس بعضهم بعضاً والعفو عمن أساء أو أخطأ، دون إخلال بالحقوق.
فعندما تضيع وتغيب القيم والمبادئ والشمائل من المجتمعات بين الناس يُصبح المال العام ومقدرات الوطن مغنماً لبعض الناس فيعتدون على هذا المال ويهدرون تلك المقدرات.
فعندما تغيب القيم والمبادئ من المجتمعات تُهدر الحقوق وتضيع كرامة الأفراد، وهناك مظاهر وتداعيات لانهيار القيم ومنها انهيار القيم الاقتصادية وانتشار الغش والربا و الاحتكار والاستغلال للأزمات ممن غابت ضمائرهم، فيتلاعبون بالأسعار ويحتكرون السلع ويخفونها، وعند انهيار القيم الاجتماعية يحدث التفكك الأسرى والانحراف، وتنتشر الرشوة و الفساد وسرقة جهود الآخرين، وهو الذي تحاربه الدولة بكل قوة.
فكل مجتمع مكون من مجموعة من الأفراد يُشكلونه وبمقدار صلاح الأفراد واعتقادهم بالقيم الصحيحة تكون أخلاق المجتمع، وبالتالى تتحسن جودة الحياة في هذا المجتمع، لأن اعتناق القيم الصحيحة مجتمعة تشكل سداً منيعاً وعائقاً متيناً أمام كل أشكال ومظاهر الانحراف، وهذه القيم هي التي تُعين الإنسان على تغيير ما بنفسه للأفضل والعودة عن الخطأ والسير في المسار الصحيح.
ولا بد أن نعترف بأن هناك مؤثرات إيجابية أخرى في المجتمع تُعين على البناء وتكون من أدوات التنمية وعوامل سلبية أخرى تساهم في تفكيك الروابط وتعمل كمعاول هدم.
ومن أخطر المظاهر السلبية ما يحدث عبر وسائل الاتصالات الحديثة التي لا قدرة على مراقبة محتواها غثاً كان أو سميناً جيداً كان أو مُضللاً، حيث إنها وبكل أسف نجحت في ترميز التافهين، حيث صار بإمكان أي أحد من فارغى الفكر أن يفرض نفسه على المشاهدين، عبر تلك المنصات التي لم تُخرج لنا أي منتج قيمي، فإذا لم يكن الفرد على دراية معرفية قوية وإدراك عالي تتغير قناعاته نتاج ما تبثُه تلك الشبكات، وبذلك تتدنى قيمه وتكون سبباً مباشراً وعاملاً من عوامل التأثير السلبي في قيم المجتمع.
ف الأخلاق دوماً تحتاج لما يُحييها ويُنميها، وذلك يُعد من أهم أدوار المؤّسسات التعليّمية بروافدها المتعددة في المدرسة والجامعة وكذا، فإن للمؤسسات الدينية الدور الذي لا يجب إغفاله، ودور الأسرة وما له من التأثير المباشر على النشء، ولا يجب إغفال دور الإعلام البنّاء إعلام الإنارة وليس إعلام الإثارة في تكوين وبناء القيم أو تعديلها وتصحيح مسارها.
حيث إعادة إحياء منظومة الأخلاقيات و القيم والمبادئ يجب أن تكون أول سُلم الأولويات، وتعميم نشر قيم التعايش والنفع الجماعي بين أفراد المجتمع، حيث إن البناء المجتمعي السليم لا يقوم إلا على أساس ترسيخ القيم، فلا يجوز خرقها لأن غيابها سيسبب انهياراً للمجتمع بشكل كلي.
فلا بد من التصدى لعوامل انهيار القيم التربوية مثل الترويج للنماذج الفكرية التافهة، حيث يقول الفيلسوف الكندي، آلان دونو، كما ورد في كتاب "نظام التفاهة"، إن التافهين قد حسموا المعركة لصالحهم عندما غابت القيم والمبادئ الراقية، يطفو الفساد المبرمج ذوقاً وأخلاقاً وقيماً، فالمجتمعات ليست سوى مجموعة من الضمائر الفردية تُشكل ضمير المجتمع بما يحتويه من قناعات فكرية ومجتمعية، فضمائر الأفراد تستمد غذاؤها من القيم الإيجابية الصحيحة لبناء مجتمع واعٍ فكرياً مؤمناً بقضايا وطنه وأمته سائراً نحوطريق بناء جمهوريتنا الجديدة.