ورحل "العمدة" صانع "الارابيسك"

ورحل "العمدة" صانع "الارابيسك"صلاح السعدني

الرأى27-4-2024 | 16:42

كان من الصعب عليه أن يجد شخصية تأخذه من آسر "سليمان غانم" ، فقد تلبسه بكل تفاصيله حتى صار من بعده "عمدة" للدراما المصرية ، ولم لا وقد سبقه عمالقة أتقنوا شخصية العمدة فصعبوا الدور على من بعدهم واعتذر الكثيرون عن ذلك الدور خوفا من المقارنة، لكنه قبل التحدى كعادته ووضع بصمته وتجربته وجانبا من شخصية الأخ الكبير "الولد الشقى" محمود السعدني، وبحث بعد كل هذا عن "أبو كيفه" أو حسن ارابيسك ؛ تلك "التركيبة" الثرية التى مزجت الشخصية المصرية فى خان دودار.

إنه الفنان الصادق فى اختياراته على مدى المشوار صلاح السعدني الذى غادرنا منذ أيام ؛ تاركا الكثير من المشاهد التى ظلت فى الذاكرة والشخصيات التى تنوعت بين الأصدقاء ليصبح المراكبى والمثقف والفلاح والمهندس والعالم، فجعل كل منها تنتمي له باقتدار.

لم تخطىء الذاكرة المصرية العمدة وأبو كيفه فور ذكر اسم صلاح السعدني ؛ رغم مشواره الذى تجاوز المائتى عمل ، ربما لاحساسها بتلك الشخصتين وتكرار المشاهدة لهما من خلال القنوات ، وبالتأكيد تألقه فى الأداء مع قلم أسامه أنور عكاشة واختراعه للادوات واللزمات التى حملت جانبا من إحساسه ، فها هو يقولها بألم "جاااااى" مع كل كف من سليم باشا وكل لحظة هزمته فيها الحياة ، ليجد ما يعادلها مع حسن ارابيسك"يوه يا عمارة" لرفيق المشوار الفنان الراحل أبوبكر عزت على الجانب الآخر.

لم يكن مسلسل "أرابيسك" مجرد عمل فى مشواره يتجاوز ما فعله "العمدة" ، و يخلعه من مشاعره الفنية ويأتى بحسن أبو كيفه بديلا ؛ بل كانت كل الشخصيات تأخذ قطعة منه ، ربما ما جعل العمدة فى الصدارة هو تلك "العِشرة" التى استمرت بينهما على مدى الأجزاء، وتطورات الشخصية على مدى تاريخ مصر ، وربما كانت الشخصيات الأخرى سيئة الحظ فلم يتم إعادة إذاعتها ؛ خاصة الافلام التليفزيونىة التى أنتجها قطاع الإنتاج والتى كانت حالة بمفردها ، لنشاهد رائعة أحمد رجب من سيناريو عاطف بشاى وإخراج ابراهيم الشقنقيرى "فوزية البورجوازيه" 1985، ليأتى بعدها "المراكبى" بعشر سنوات لأحمد عوض وإخراج كريم ضياء الدين، والمسافة بين المثقف اليسارى الذى يجد نفسه فى حرب أيديولوجية فى الحارة المصرية ، و "العائش" فى النهر بعيدا عن كل شيء واضطر أن يتعامل معها ليستخرج شهادة ميلاد ؛ ليلتحق ابنه بالتعليم ، فندور معه بحثا عن عمره ، هذه بعض المحطات التى ربما لايتذكرها جمهور صلاح السعدني الإنسان الذى ألقى بروحه فى كل شخصية على مدى مشوار تجاوز
الخمسين عاما كان فيها "المشخصاتي" الصانع للتفاصيل ؛ ليختلف فى كل شخصية عن الأخرى ونتذكر كلماته بنبرة صوته ، فقد صنع عالمه وانتقى شخصياته، وقدم ما لفت انتباهه ، وأهتم أكثر بالتليفزيون الذى يصل فى رأيه لكل بيت، ليصبح معه دوما ضيفا "خفيفا" ثم يغادر سريعا عائدا إلى عرش "الكنبة" حتى يأتيه الجديد ، ذلك ما جعل جمهوره يحزن ويفتقده رغم أنه غاب قبل الرحيل أكثر من عشرة أعوام واكتفى كل تلك السنوات ب "الكنبة".

أضف تعليق