يناقش الكونجرس الأمريكي مشروع قانون من شأنه فرض عقوبات على مستوردي النفط من إيران، وذلك عقب الهجوم المباشر، الذي شنته طهران على إسرائيل، ومن شأن مشروع قانون "حظر استيراد النفط الإيراني" توسيع مظلة العقوبات ضد الكيانات، التي تشحن أو تعالج النفط الخام الإيراني.
وتشير توقعات بأن هذا التشريع قد يزيد أسعار النفط الخام بما يصل إلى 8.40 دولار للبرميل، أو ما يعادل 20 سنتا لكل جالون من البنزين، إذا ما تم إقرار هذه العقوبات وإنفاذها .
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن كانت تكره إطلاق العنان لسلاح النفط؛ لإخضاع الدول، التي تسيء التصرف، خوفا من ارتفاع أسعار النفط في عام الانتخابات، لكن يد الرئيس الأمريكي جو بايدن قد تكون مضطرة لذلك، حيث يضغط المشرعون في الكونجرس لفرض عقوبات جديدة على دول مثل إيران، ما قد يؤدي إلى إزالة جزء كبير من النفط من سوق متوازنة بشكل جيد بالفعل.
والسؤال –وفقا للمجلة الأمريكية - هو ما إذا كانت العقوبات الإضافية على منتجي النفط الرئيسيين ستؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط ما قد يؤثر على فرص إعادة انتخاب بايدن، أو ما إذا كان تدفق النفط من الأمريكتين سيسمح لواشنطن بالحفاظ على استمرار إمدادات النفط العالمي بالمعدلات المطلوبة؟
وأوضحت المجلة أن مشروع القانون الجديد، الذي يناقشه الكونجرس يستهدف صادرات النفط الإيرانية (والمشترين الصينيين)، وإذا تم إقراره توقيعه؛ ليصبح قانونا وتنفيذه بالكامل، فقد يؤدي إلى إزالة أكثر من 700 ألف برميل يوميا من النفط الإيراني من السوق، أي ما يقرب من نصف صادرات إيران الحالية.
ولكن هذا ليس كل شيء، حيث يأتي مشروع قانون العقوبات بعد أيام فقط من قرار الولايات المتحدة إعادة فرض العقوبات على النفط الفنزويلي، بسبب الفشل -وفقا لواشنطن- في الوفاء بإجراء انتخابات حرة ونزيهة. وقد يكون ذلك مشكلة في المستقبل بالنسبة للدرجات الثقيلة من النفط التي تفضلها مصافي النفط في ساحل الخليج الأمريكي. وفي الوقت نفسه، وخلافاً لرغبة واشنطن، تواصل كييف استخدام طائرات بدون طيار بعيدة المدى لاستهداف نقاط الضعف في صناعة النفط الروسية، مما قد يضر بقدرتها على تصدير المنتجات النفطية.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن هذه الإجراءات مجتمعة تهدد بمزيد من التشديد في سوق النفط، ناهيك عن التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط التي تضع أسواق النفط على حافة الهاوية، فيما تؤكد منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وشركاؤها أنهم سيواصلون طوعا خفض إنتاجهم من النفط حتى يونيو المقبل لدعم الأسعار التي تقف حاليا عند حوالي 86 دولارا للبرميل.
ولفتت المجلة الأمريكية إلى أنه فيما يتعلق بإمدادات النفط العالمية، ففي حين لا تزال منظمة أوبك وشركاؤها يخفضون الإنتاج (باستثناء العراق وإيران)، فإن الولايات المتحدة وكندا والبرازيل وجويانا تعوض الفارق. ونوهت المجلة في هذا الصدد إلى أنه من غير المرجح أن تشهد الولايات المتحدة المزيد من النمو في إنتاج النفط هذا العام، وأن كندا يمكنها أن تضيف نصف مليون برميل يوميا من الإنتاج الجديد هذا العام، إلى جانب 250 ألف برميل يوميا أضافتها جويانا، اللاعب المفاجئ في الأمريكتين، وأن كل ذلك سيكون كافيا لتعويض أي تضييق من جانب أوبك، ما لم يكن الطلب العالمي على النفط أعلى بكثير من المتوقع .
وقالت المجلة الأمريكية إنه في الماضي، كان من الممكن في كثير من الأحيان الاعتماد على المملكة العربية السعودية، أكبر منتج في أوبك، لزيادة إنتاجها لإبقاء أسعار النفط في نطاق معقول .
ولهذا السبب، فإن فقدان أي نفط بسبب العقوبات الجديدة يمكن أن يمثل مشكلة بالنسبة للعرض والطلب العالميين، ولأسعار النفط، وسياسيا لإدارة بايدن.. وإن هناك سببين للاعتقاد بأن التشريع الجديد، الذي يستهدف صادرات النفط الإيرانية، التي بلغت أعلى مستوياتها منذ عام 2018، قد لا يعيق بايدن كثيرا .
ويتمثل السبب الأول –وفقا لـ بن كاهيل خبير الطاقة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية- في أن العقوبات لن تدخل حيز التنفيذ حتى أكتوبر المقبل، فيما يتمثل السبب الثاني في أن الولايات المتحدة قد تستهدف زاوية ضيقة للغاية في سوق تصدير النفط، أي مصافي التكرير الصينية، التي ليس لها ارتباط يذكر بالمؤسسات المالية الأمريكية.
وأضاف كاهيل أنه من الصعب إيقاف تجارة النفط الإيرانية، حيث تشمل هذه التجارة، المصافي الصينية الصغيرة التي يطلق عليها اسم (أباريق الشاي) والتي تتعامل مع 90 في المئة من إجمالي صادرات النفط الإيراني، وهي بعيدة كل البعد عن النظام المالي الأمريكي.
وأوضحت "فورين بوليسي" أنه ليس من الصعب التكهن بالسبب الذي جعل إدارة بايدن تشعر بالقلق من ملاحقة صادرات النفط على مستوى العالم سواء في إيران أو فنزويلا أو روسيا. ففي اقتصاد أمريكي مزدهر، لا يزال التضخم ثابتا، وأسعار البنزين هي الأسعار الأكثر تماسا بالمواطن بكل يومي، ما دفع المستشار الاقتصادي لبايدن قبل أيام بالتعهد ببذل كل ما يلزم لإبقاء أسعار النفط منخفضة خلال الصيف، حتى أنه ألمح إلى احتمال الإفراج عن احتياطيات النفط الاستراتيجية الأمريكية .
وتابع كاهيل أن "تكاليف الطاقة هي محور التركيز الشديد لهذه الإدارة (الأمريكية)، وقد كانت كذلك منذ البداية. لذلك، فإنهم يسيرون على حبل مشدود عندما يتعلق الأمر بالتطبيق الصارم للعقوبات التي يمكن أن تقلب سوق النفط العالمية رأسا على عقب".
وعليه، فإن كون الولايات المتحدة أحد اللاعبين الكبار في مجال النفط –بفضل إنتاج النفط الصخري- إلا أن ذلك لا يعني إمكانية تجاهل ديناميكيات سوق النفط العالمية التي تؤثر على الأسعار في كل مكان، حتى في المدن الأمريكية الصغيرة، في عام الانتخابات الرئاسية. كما أن النفط الصخري قد يمنح الولايات المتحدة الحرية في فرض عقوبات على المزيد من الدول، لكن ذلك لن يكون مأمون العواقب.