صناعة مستقبل مصر

من حُسن الطالع أن يكون أول التزام رئاسي أدعى إليه بعد أن نُلت شرف تولي مسئولية رئاسة مجلس إدارة " دار المعارف " العريقة و" الشركة القومية للتوزيع " العتيدة، هو افتتاح " مركز البيانات والحوسبة السحابية " الذي أقيم في طريق العين السخنة، الذي أراه "صومعة" للمعلومات.

فكلما اهتمت القيادة السياسية، بإقامة صوامع تخزين الغلال كسلعة استراتيجية للبلد، فإنها اهتمت أيضا بالمعلومات كسلعة استراتيجية للمستقبل والتي أصبحت لا تقل أهمية عن الغذاء.

ربما يكون ذلك تبسيطًا مخلاً، ولكني قصدت ذلك حتى تصل الفكرة للعامة، فالمتخصصون لا يحتاجون لشرح، ولا تبسيط .

ومن خلال عملي كمهندس ودراستي العلمية، فقد أبهرني هذا الصرح العملاق، وأشهد بأنه يعمل بأحدث التكنولوجيا العالمية بالغة التعقيد، والتي تعمل بها المراكز الدولية في الدول المتقدمة .

كانت رؤية الرئيس السيسي ثاقبة عندما وجه بإقامــة هذا الصرح العملاق ، وطبقا لما استمعنا من المسئولين عن إنشائه، فقد تم إنجازه في نصف المدة -عامًا واحدًا بدلا من 24 شهرًا- وهذا لا يعد في لغة المهندسين إنجازا بل إعجازا، حيث ذكر اللواء أركان حرب هاني محمود منصور مدير سلاح الإشارة، إن هذا الإنجاز -أقصد الإعجاز- اشتركت فيه 15 شركة عالمية ومحلية، و 1200 مهندس وعامل بإجمالي 5 آلاف ساعة عمل متواصلة، وبلغت أعمال الحفر 25 ألف قدم مكعب و 4200 ألف قـــدم مكعب أعمال تســـوية و 150 طنا أعمال تكسيات.

كل هذه الأرقام بحسابات المهندسين تعد دربا من دروب الخيال، لكن مع سواعد وعقول المصريين لا شيء مستحيل، وبخاصة اذا كانت وراء هذه الأعمال رؤية سليمة وتشجيع وتحفيز من قيادة سياسية وطنية واعية مستنيرة.

ولم تتوقف رؤية الرئيس السيسي عند حد الإنشاء والتجهيز، ولكن للاستخدام الأمثل لهذا الصرح التكنولجي المعلوماتي، والذي يكمن في البشر الذين يستخدمون هذه المعلومات وهذا الصرح، عندما قال الرئيس في حديثه أثناء الاحتفال، إنه يجب أن يهتم الجيل الجديد بدراسة البرمجيات - وظيفة المستقبل- وأن يقل الإقبال على الكليات النظرية.

رؤية الرئيس تتعدى الحدود ولا تقتصر على الخدمات التي يقدمها هذا الصرح محليا، ولكن لتصبح مصر مركزًا لوجيستيًا عالميًا للمعلومات.. وهذه ليست أحلامًا ولا أوهامًا ولكنها واقعًا علي الأرض فلقد أنفقت مصر مليارات الدولارات لإنشاء بنية أساسية في هذا المجال، الصرح ليس فقط مبنى ولكن أبعد من ذلك بكثير.

وكما ذكرت فإن المبنى وتجهيزاته كان إعجازًا ولكن الإعجاز الأكبر غير المرئي هو العقول والأفكار والبشر التي استطاعت تشغيل وتغذية هذا الصرح سواء من حيث الشبكات المغذية أو من حيث مده بالمعلومات اللازمة.

كل ذلك لم يصبح واقعا في يوم وليلة، وفي ظروف عادية، ولكنه تم بإرادة سياسية وطنية واعية، لم يكن لغيرها أن تفكر بهذا الفكر المستقبلي، وهي تواجه تحديات جسام من إرهاب وأزمات اقتصادية، وحروب تحيط بنا من كل اتجاه ومناطق مشتعلة، ومؤامرات تحاك ضدنا من هنا وهناك.

وهنا تكمن العبقرية والقدرة علي القيادة، فالربان الماهر هو من يقود ويمسك الدفة بقدرة في المناوأة مع العواصف والأمواج العاتية دون أن تتضرر سفينته ومن عليها.

هذه الرؤية هي التي تبني مصر المستقبل، وهي التي تفرز عقولا قادرة على الانطلاق بمصر نحو آفاق أرحب واقتصاد قوي وجيل ذي بناء جسماني وعقلي يليق بحمل الجنسية المصرية.

المعلومات أصبحت كالماء والهواء والغذاء، فلا توجد دولة في العالم يمكن أن تنمو دون معلومات سليمة ودقيقة ومحدثة، ودون أن يكون هناك ربط معلوماتي بين مؤسساتها المختلفة، الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والصحية، فكان ضروريا وحتميا إنشاء هذا الصرح، الذي سيقوم بهذه المهمة الاستراتيجية.

وأتذكر المقولة الشهيرة للعالم أينشتاين «إن العقل ليس مخزنا للمعلومات، ولكنه لتفعيل هذه المعلومات»، والدولة قامت بتخزين هذه المعلومات وبقي أن تقوم عقول مصر الشابة النابهة ببرمجة هذه المعلومات والاستفادة منها، في الزراعة والصناعة والاقتصاد، والصحة.. وحكى لي صديقي مهندس البرمجيات أنه يمكن باستخدام الإمكانيات والتكنولوجيا الحديثة الموجودة في هذا الصرح أن يتمكن طبيب في أسوان أن يجري جراحة لمريض في الإسكندرية بما يطلق عليه العلاج عن بعد..

تحية لمن فكر ومن خطط ومن نفذ ومن سيستغل هذا الصرح الاستغلال الأمثل.