تحت شعار "لا أزمات تعرقلنا ولا استيراد يثقل كاهلنا" شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة، قفزة نوعية في مجال تكرير البترول؛ وذلك بفضل استراتيجية طموحة أطلقت عام 2016، استهدفت تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات البترولية الرئيسية، وتعزيز أمن الطاقة للبلاد، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، بكل قطرة بنزين تكرر محليا، تبني مصر اقتصادا قويا، وتضمن مستقبلا أكثر ازدهارا واستقرارا.
وتركز هذه الاستراتيجية على عدة محاور رئيسية، منها تحديث المصافي القديمة وزيادة طاقاتها الإنتاجية، وإنشاء مجمعات تكرير جديدة بمواصفات عالمية، وتنويع المنتجات البترولية بما يتناسب مع احتياجات السوق المحلية والعالمية.
وحرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على دعم هذه النهضة الكبيرة في مجال تكرير البترول، حيث افتتح ثلاثة من أضخم المشروعات، وهي مشروع مصفاة المصرية للتكرير بمنطقة مسطرد، ومجمع إنتاج البنزين عالي الأوكتين بشركة أنربك بالأسكندرية، ومجمع إنتاج البنزين عالي الأوكتين بمصفاة تكرير أسيوط، وتميزت هذه المشاريع باستخدام أحدث التكنولوجيا العالمية في مجال التكرير؛ مما يضمن كفاءة عالية في الإنتاج مع مراعاة أعلى المعايير البيئية.
وشهدت مشروعات التكرير - خلال السنوات التسع الماضية - موجة استثمارات ضخمة تضمنت تشغيل 8 مشاريع جديدة متكاملة لتكرير وتصنيع البترول، بما في ذلك وحدات إنتاج البنزين عالي الأوكتين والبوتاجاز والأسفلت، وتجاوز إجمالي الاستثمارات في مشاريع التكرير الجديدة وتوسعات المصافي القائمة خلال هذه الفترة حاجز الخمسة مليارات دولار، ولعبت المشروعات الجديدة دورا رئيسيا في توفير المنتجات البترولية الأساسية للسوق المحلي، خاصة خلال فترات التقلبات العالمية في أسعار النفط.
لم تتوقف المسيرة عند هذا الحد، بل تم إطلاق العمل في مشاريع عملاقة أخرى قيد التنفيذ، تبلغ قيمتها الإجمالية حوالي 7.5 مليار دولار، ومن المقرر أن تدخل الخدمة تباعا، ومن أهمها توسعات مصفاة تكرير ميدور بالإسكندرية، والتي ستساهم في زيادة إنتاج السولار و المنتجات البترولية الأخرى، ومجمع إنتاج السولار بشركة أنوبك بأسيوط، والذي يستهدف تلبية الطلب المتزايد على السولار عالي الجودة، وتوسعات شركة السويس لتصنيع البترول، والتي تشمل إنشاء مجمع تفحيم وإنتاج سولار، ومشروع تقطير المتكثفات بشركة النصر للبترول بالسويس، ومشروع التقطير الجوي بمصفاة أسيوط لتكرير البترول، والذي سيعزز من قدرات تكرير البترول الخام.
وأدت مشاريع التكرير الجديدة إلى تقليص الفجوة بين حجم الإنتاج المحلي من المنتجات البترولية واحتياجات الاستهلاك، وهو ما يضع مصر على طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض هذه المنتجات الاستراتيجية، ومع انخفاض الاعتماد على الاستيراد، تتحقق وفورات مالية كبيرة، بالإضافة إلى إمكانية زيادة صادرات المنتجات البترولية الفائضة عن الحاجة، وهو ما يعزز ميزان المدفوعات.
كما أن هذه النهضة الكبيرة في مجال التكرير ليست مجرد أرقام وإحصائيات، فتحقيق الاكتفاء الذاتي من الوقود و المنتجات البترولية يعد ركيزة أساسية لتحقيق الأمن القومي، حيث يقلل من تأثر مصر بتقلبات أسعار النفط العالمية والاضطرابات السياسية التي قد تعيق حركة الاستيراد، كما تساهم هذه النهضة في خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة في قطاع البترول، وتعزيز النشاط الصناعي والتجاري المرتبط بالقطاع.
لم تكن رحلة تطوير صناعة تكرير البترول المصرية مجرد مسيرة تشييد للمصافي وإنشاء للوحدات الإنتاجية؛ بل كانت بمثابة إعادة ضخ للثروة البترولية بعد تكريرها لتعزيز التنمية الاقتصادية، ومع كل مشروع جديد يفتتح، وكل قطرة وقود تنتج محليا، تخطو مصر خطوة ثابتة نحو مستقبل أكثر ازدهارا.