أعرف المهندس نادر رياض كرجل صناعة منذ فترة طويلة، لم نكن أصدقاء ولكن جمعتنا علاقة عمل لفترات متباعدة، وكان حريصا علي إقامة إفطار رمضاني سنوي يدعو له معارفه القريبين من الصحفيين والإعلاميين، لما سماه "إفطار الأصدقاء" وكنت أحد المدعوين لهذا الإفطار ولسنوات طويلة، قبل أن يتوقف بسبب الكورونا !
ولكن طبيعته المتحفظة وكلامه القليل لم يكن يشجعني لفتح حوار معه أو الاقتراب أكثر من عالمه الخاص، هذا مع علمي بأن له نشاط اجتماعي متعدد وأنه قدم خدمات جليلة للبلد وللعديد من الجمعيات الأهلية ، وأنه لا يتأخر عن المساعدة في الكوارث الطبيعية أو الظروف الطارئة مدفوعا بالشهامة المصرية والإخلاص للبلد ومواطنيها.
ومؤخرًا.. أهداني نسخة من مذكراته التي صدرت في كتاب أنيق وطباعة فاخرة عن المركز الإعلامي العربي ، ضمن سلسلة "شخصيات من الزمن الجميل" وبدأت بتفحص الكتاب شكلا ومضمونا وعنوانا، وسرعان ما غصت في قراءة المحتوي الذي أرّخ للبدايات، ومشوار الحياة وما تحقق فيها.
ووجدت أننا أمام "قصة كفاح" مصرية.. وراءها طموح مشروع وعزيمة قوية وذكاء مصري فطري!
نعم إنه سليل عائلات كبيرة من ناحية الأب والأم، وإنه يسير علي خطي جده المهندس رياض سلامة ، ووالده المهندس نصحي، وشقيقه الأكبر المخرج وكاتب السيناريو ناجي رياض.. ولكنه تميز باختلاف البدايات والنهايات، فالجد والأب كانا موظفين في السكة الحديد ومحطات مياه الشرب، وهو بدأ وما زال في العمل الحُر من ورشة صغيرة في شبرا إلي مجمع صناعي ضخم وشركات متنوعة ومتعددة، فضلا عن أنه أول من أدخل صناعة أدوات إطفاء الحريق في مصر بشكلها الحديث.
الغريب في الموضوع أن تفوقه المهني والعلمي والذي أوصله للدكتوراة وإقامة إمبراطورية صناعية متميزة، بدأ بإصابته وهو طالب في المرحلة الثانوية بمرض غريب استدعي سفره إلي ألمانيا للعلاج، وهناك التحق بإحدي المدارس وتعلم الألمانية، ثم عاد بعد الشفاء للالتحاق بهندسة القاهرة – قسم الطيران – وعند التخرج لم يقبل بالوظيفة الميري وعاد إلي ألمانيا لاستكمال الدراسة مع التدريب في أحد المصانع المتخصصة.
وعاد من هناك ومعه عقد وكالة وشراكة مع أكبر الشركات الألمانية في صناعة وحدات إطفاء الحرائق، وتمكن بجده واجتهاده خلال سنوات بسيطة من الاستحواذ علي الشركة الأم، والتي أصبحت تابعة إداريًا وفنيًا للشركة المصرية والتي حملت ذات الاسم!
والمذكرات ممتعة في قراءتها، جديدة في محتواها، وتثبت أن "مصر ولاّدة" وأن أبناءها قادرون علي التحدي والمواجهة، وأن السماء تنحاز إلي جانب القوم المكافحين، وأن الله لا يضيع جزاء من أحسن عملا.