صناعة «الصديق الوفي»

صناعة «الصديق الوفي»م. رزق عبد السميع

الرأى12-5-2024 | 14:20

كان الكتاب في قديم الأزل عبارة عن خزينة يحتفظ فيها الإنسان بتاريخه وبطولاته، بدأ عندما عرف الإنسان الكتابة، علي الحجر ثم علي الطين ثم علي ورق البردي أيام الفراعنة ، ومع تطور الفكر الإنساني تطورت الكتابة وظهرت فكرة تجميع الكتابات المتشابهة، بعدها ظهر شكل الكتاب المكتوب بخط اليد ذي النسخة الواحدة علي ورق البردي أو علي جلود الحيوانات، وبعدها ظهرت الطباعة؛ لتحدث انقلابا في الشكل والمضمون للكتاب وربما كان أقدم كتاب مطبوع عرفه التاريخ هو «سوترا الماس» ويعود تاريخه إلي عام 868 ميلادي، تم اكتشافه عام 1900 في كهف موغاو في دونهوانغ بالصين، ويعكس هذا الكتاب مهارة عالية في تقنية الطباعة الحجرية، وفي 13 مارس عام 1455 تم إنتاج أول كتاب مطبوع في العالم بواسطة الألماني «يوهان جوتنبرج»، مخترع مطبعة الحروف المتحركة، وذهب البعض إلي أن هذا الكتاب هو إنجيل يوحنا ، ومن وقتها تحول الكتاب إلي صناعة تدر دخلاً، خلقت أجيالاً مدمنة للقراءة، وكتابا متنوعين ما بين فن وأدب وفكر وفلسفة ودين وكتب تعليمية وثقافية.

ويحلو للبعض إطلاق صفة «الصديق الوفي» مجازًا علي الكتاب.

مقدمة كان لا بد منها قبل أن أتحدث عن صناعة هذا الصديق الوفي، الذي يواجه تحديات كبيرة أهمها ظهور المنافس القوي «الكتاب الديجيتال» الأقل تكلفة في الكميات القليلة والأسرع إنتاجًا وانتشارًا، الذي أصبح في متناول الجميع وبالتالي سرق نسبة كبيرة من سوق الكتاب المطبوع، وزيادة أسعار الورق والأحبار، التي تمثل 75 % من التكلفة وزيادة أجور العاملين في هذا المجال " 20 % "، كل هذه التحديات وغيرها تناولتها ورشة نقاشية نظمتها لجنة الكتاب والنشر بالمجلس الأعلي للثقافة تحت عنوان «تحديات طباعة الكتاب في مصر»، بدعوة كريمة من أ. د. هشام عزمي، الأمين العام للمجلس، تشرفت بحضور الندوة مع عدد كبير من الخبراء والناشرين والمهتمين بصناعة الكتاب في مصر والمهمومين بإنقاذ هذه الصناعة، وبعد مناقشات جادة استغرقت عدة ساعات، تناولت عدة محاور أبرزها: (خامات الورق وصناعته في مصر والأحبار المتوفرة بمصر وارتفاع أسعارها).. المشكلة وآلیات العلاج، أهمیة دعم المؤسسات الحكومیة والهیئات للكتاب الثقافي المطبوع، الآثار الإیجابیة للإقبال علي الكتاب المقروء والآثار السلبیة للإحجام عنها، أهمیة توافر الكتاب المطبوع وقراءته ومردوده الإیجابي علي المجتمع، سبل التعاون البناء بین المؤسسات الحكومیة والأكادیمیة والهیئات المسئولة في توفیر حل للمشكلة الأساسیة للكتاب المطبوع.

واستعرض المشاركون الشركات المصرية العريقة العاملة في إنتاج صناعة الورق والأحبار ومدي جودة منتجاتها والكميات التي تنتجها ونسبة تغطيتها لحاجة السوق، وأجمع الحاضرون علي أنه لا توجد شركة أحبار مصرية تنافس جودة المنتج المستورد.

وأشاروا إلي ضرورة زيادة جودة الأحبار المحلية؛ لتوفير عملة الاستيراد، وعكست المناقشات الجادة مدي الاهتمام بـ «هموم» هذا القطاع الحيوي، الذي يقوم بتشكيل وجدان الشعب، من خلال ما ينتجه من أعمال.. واتفق المشاركون علي عدة توصيات يمكن أن تساهم في إنقاذ صناعة (الصديق الوفي) في مصر من أهمها:

1- استخدام الورق الخاص ببعض المجلات وزن 50 جم فالأعلي وزنا حسب جودة الكتاب (بدلا من الورق الأبيض، حیث تمثل نسبة توفیر في تكلفة الورق 60% من سعر الورق الأبيض 70جم ویمثل 70% من تكلفة ورق البلك).

2- أن تفرض الدولة رسومًا 1% علي جمیع واردات مستلزمات الطباعة وأهمها الورق والأحبار لصالح وزارة الثقافة لدعم طباعة الكتاب الثقافي.

3- فرض رسم قدره 0.5% علي جمیع الكتب الموردة للوزارة من الكتب المدرسیة والثقافیة وكذلك جمیع الوزارات والمكتبات مثل نقابة المعلمین التي تفرض رسوما تقریبا 5% علي جمیع الكتب الدراسیة الموردة للوزارة.

4- أن تقوم الدولة بدعم الورق الخاص بالهیئة العامة للكتاب والذي یتم شراؤه من مصنع قنا وإدفو بما لا یقل عن 30% لصالح دعم طباعة الكتب الثقافیة للهیئة العامة للكتاب.

5- إنشاء بروتوكول تعاون بین عدد من المطابع یتم الاتفاق علیها - مطابع المؤسسات الصحفية القومية وبعض الناشرين - علي أن تتم الطباعة في هذه المطابع بأسعار مخفضة.

ولا يزال النقاش مستمرًا حتي تعود صناعة الكتاب إلي سابق عهدها لما لها من أهمية كبيرة في تشكيل الوعي الثقافي والقوي الناعمة للجمهورية الجديدة.

أضف تعليق

تدمير المجتمعات من الداخل

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2