في عام 1968 ظهر لأول مرة مصطلح " الدولة الرخوة .. SOFT STATE" استخدمه الاقتصادي السويدي جونار ميردل في كتابه " الدراما الآسيوية - بحث في فقر الأمم"؛ ليصف من خلاله عدم الانضباط المجتمعي في جنوب آسيا وكثير من دول العالم النامي، مقارنةً بالدولة الحديثة التي ظهرت في أوروبا (من وجهة نظره).
والدول الطامعة والاستعمارية (القديمة والحديثة) تفضل هذا النوع من الدول الرخوة ، حيث يسهل السيطرة عليها، والاستعمار الحديث يلجأ إلي مؤسسات العولمة لغزو الدولة القوية، التي يخطط للسيطرة عليها، ويكون ذلك عبر إصابتها بفيروس الرخاوة، الذي يستهدف مراكز السلطة التقليدية في الدولة المعنية بالغزو، وإضعاف نفوذها المحلي وإفشالها في إيجاد بدائل قابلة للتطبيق، وفي ذات الوقت دعم مواقف العصيان (داخل الدولة) لأي سلطة مركزية تسعي لتطبيق السياسات الوطنية والقومية.
والدولة الرخوة، التي لا تملك سلطة السيطرة علي مقدراتها هي دولة غير قادرة علي فرض سياسات التنمية الصحيحة، وليست علي استعداد للعمل ضد الفساد علي جميع المستويات.
وشياطين الاستعمار الحديث لن تأتي للدولة المعنية بالغزو في هيئة الشر المعهودة، ولكنها تأتي فاتحة ذراعيها تدعي الدعم وتنصح وتقدم برامج الإصلاح، السياسي، الاقتصادي والاجتماعي، توظف شعارات "النصب الحديثة" مثل: حقوق الإنسان ، الديموقراطية، المجتمع المدني، العمل الأهلي، وهي شعارات جربناها منه، وتأكدنا أن ظاهرها الرحمة، وباطنها العذاب.
وقبل 25 يناير 2011 انتشرت هذه الشعارات بين النخب المصرية الجاهلة (جهالة الكفار في عصر النبوة)، وضمن الشعارات التي راجت: "قبول الآخر"، وتلقف الإعلاميون المزايدون علي لجنة السياسات، المبشرون بالتوريث المصطلح الذي تم تمريره من الخارج، وراحوا ينظّرون له، يدعون في ثنايا كلامهم وبين سطور كتاباتهم إلي قبول عنصر بعينه، يقصدون الترويج لـ "التطبيع الشعبي"، بعبارة أخري السماح للإسرائيلي بالتسرب إلي مجتمعنا..
وقد يبدو المثل الأخير بعيدا عن موضوع "الدولة الرخوة" لكنني أراه ضمن أمثلة أخري في صميم الموضوع، فما محاولات "الأعداء" لتحويل مصر إلي دولة رخوة، ضعيفة إلا لخلق ثغرات تمهد للآخر بالتسرب إلي دول ومجتمعات المنطقة العربية، ومن ثم السيطرة والهيمنة، وأخطر أساليب إسقاط سلطة الدولة تلخصها نظرية "إسقاط النظام الأبوي"، التي تدعو إلي إسقاط كل سلطة مادية أو معنوية حاكمة من سلطة مؤسسات الدولة إلي سلطة الدين، وللأسف تعود الآن لمجتمعنا العربي الأصوات التي تجهر بهذه النظرية والدول والأشخاص التي تشجع عليها، وتوجه للدول والأشخاص جزءا من فائض ثرواتها "الفاحشة"؛ لتمويل مؤسسات تتبني علي سبيل المثال "إعادة تكوين" الفكر.. لصالح فكر الآخر" وهذا موضوع آخر.