خطوة وصفها وزراء بالجنون.. انتخابات برلمانية مبكرة في بريطانيا

خطوة وصفها وزراء بالجنون.. انتخابات برلمانية مبكرة في بريطانياخطوة وصفها وزراء بالجنون.. انتخابات برلمانية مبكرة في بريطانيا

عرب وعالم14-6-2024 | 00:33

يأتى تركيز هذه الانتخابات على الحرب و الأمن القومى بسبب ما تمليه الاستعدادات لمرحلة جديدة من الصراع الأوكرانى - الروسى.

كان الإعلان الذى أصدره رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك، عن إجراء انتخابات عامة مبكرة فى الرابع من يوليو، بمثابة صدمة حتى للنواب المحافظين فى حكومته، ووصف الوزراء والنواب هذه الخطوة بأنها «جنون»، حيث يتخلف المحافظون عن حزب «العمال» المعارض بفارق 20 نقطة فى استطلاعات الرأى، وكانت المسألة بمثابة مفاجأة لأقرب حلفاء سوناك الوزاريين، حتى اجتماع مجلس الوزراء، الذى تم عقده فى داونينج ستريت تحت المطر الغزير.

قرار "سوناك"، والسرعة والسرية التى سيتم بهما تنفيذه، مرتبطتان بحسابات الطبقة الحاكمة البريطانية، وحلفائها الإمبرياليين فى الولايات المتحدة، فهذه الانتخابات المبكرة من وجهة نظر البعض تعد ضرورية لاستباق المعارضة المتزايدة للحرب، وخلق إطار سياسى لتصعيد هائل للصراع مع روسيا.

التصعيد السريع لحرب الناتو الفعلية ضد روسيا فى أوكرانيا، كان فى قلب مخاوف سوناك، وانعكس ذلك على رؤيته فى أن هذه الانتخابات ستجرى فى وقت أصبح فيه العالم، أكثر خطورة من أى وقت مضى منذ نهاية الحرب الباردة، فروسيا من وجهة نظره تشن حربا وحشية فى أوكرانيا، ولن تتوقف عند هذا الحد، إذا نجحت، كما أن قوى التطرف تهدد الاستقرار الإقليمى فى الشرق الأوسط، وبالتالى تهدد الاستقرار العالمى فى حين تسعى الصين إلى الهيمنة على القرن الحادى والعشرين من خلال اكتساب اليد العليا فى مجال التكنولوجيا، وتستخدم الهجرة كوسيلة لذلك.

وبالتالى يأتى تركيز الانتخابات البرلمانية على الحرب والأمن القومى، بسبب ما تمليه الاستعدادات المتقدمة لمرحلة جديدة من الصراع الأوكرانى - الروسى، التى تنطوى على استخدام أسلحة الناتو لاستهداف روسيا بشكل مباشر، وحتى إرسال قوات من الناتو إلى منطقة الحرب.

فبريطانيا هى الحليف العسكرى الرئيسى للإمبريالية الأمريكية، وكانت فى طليعة كل إجراءات التصعيد العسكرى فى أوكرانيا، بما فى ذلك إرسال قوات خاصة وتدريب الآلاف من القوات الأوكرانية، حيث اندلع الصراع لأول مرة فى عهد رئيس الوزراء بوريس جونسون فى 24 فبراير 2022، وأراد بوريس جونسون أن يحدد الدعم البريطانى للحرب شكل حكومته.

لكن واشنطن اضطرت إلى الاعتماد على حكومة بريطانية غير مستقرة نهائيا، بل تعانى من صراعات فصائلية مريرة وكراهية الملايين، خصوصا فيما يتعلق ببرنامج مناعة القطيع القاتل، الذى تم تنفيذه خلال الوباء الذى أودى بحياة أكثر من 230 ألف شخص، واضطر جونسون إلى الاستقالة من منصب زعيم حزب المحافظين فى 7 يوليو 2022، ليصبح أول زعيم لقوة إمبريالية كبرى يترك منصبه خلال حرب الناتو بالوكالة ضد روسيا، فالخوف السياسى الذى يقود المعركة على قيادة الحزب، الذى كاد أن يؤدى إلى انهيار الحكومة، هو أن جونسون شخصية فقدت مصداقيتها ومثيرة للانقسام، لدرجة أنه لا يمكن الوثوق به لاتخاذ الخطوة التالية فى العملية، الطبقة الحاكمة ضد الطبقة العاملة أو استمرار حرب الناتو فى أوروبا.

ومن هنا جاءت الاستقالة القسرية، لتثير منافسة على القيادة، هيمنت عليها شخصيات عسكرية سابقة، وفازت بها فى النهاية داعية الحرب المسعورة ليز تروس وزيرة خارجية جونسون، التى تباهت خلال حملته الانتخابية بأنها مستعدة لاستخدام الأسلحة النووية ضد روسيا، لكن بعد توليها منصبها فى سبتمبر 2022، تمت إقالتها بسرعة فى أواخر أكتوبر تحت ضغط من الأسواق العالمية لإعلانها عن تخفيضات ضريبية كبيرة غير ممولة، ومنذ ذلك الحين تبددت أى آمال فى أن يؤدى استبدال "سوناك"، إلى الاستقرار السياسى أخيرًا، بسبب النمو المطرد للمعارضة الاجتماعية والسياسية لأجندة المحافظين المتمثلة فى التقشف والحرب.

هذه المعارضة التى اندلعت لأول مرة فى موجة الإضرابات عام 2022، ثم اندلعت لاحقًا بشكل سياسى فى الحركة الجماهيرية المعارضة، لدعم بريطانيا للإبادة الجماعية لإسرائيل فى غزة، ولذلك ركزت جهود "سوناك"، لإنقاذ رئاسته للوزراء على محاولة تلبية طلب واشنطن أى وضع الحرب فى مركز جدول أعمال الحكومة.

وفى 23 أبريل أعلن فى قاعدة عسكرية فى وارسو ببولندا، أن بريطانيا ستزيد إنفاقها العسكرى إلى ٪2.5 من الناتج المحلى الإجمالى، وتسير صناعة الدفاع البريطانية على قدم وساق.

حيث ترسل إلى أوكرانيا أكبر عدد من المعدات العسكرية البريطانية، كان أهمها صواريخ ستورم شادو بعيدة المدى ودقيقة التوجيه، وفى 3 مايو خلال اجتماع مع الرئيس الأوكرانى زيلينسكى أعطى وزير الخارجية ديفيد كاميرون، الضوء الأخضر لأوكرانيا، لاستخدام صواريخ كروز البريطانية "ستورم شادو"، ضد أهداف على الأراضى الروسية المعترف بها.

وحذر "سوناك"، من أن "العالم أقرب إلى التصعيد النووى الخطير أكثر من أى وقت مضى منذ أزمة الصواريخ عام 2000، وألقى باللوم فى هذا الوضع على محور الدول الاستبدادية، مثل روسيا وكوريا الشمالية والصين، وهدد بقمع الاحتجاجات ضد الإبادة الجماعية فى غزة وضد الحرب".

لكن لا واشنطن ولا الطبقة الحاكمة البريطانية، يمكنها أن تتسامح مع حكومة غير قادرة على الحكم بفاعلية، وتفتقر إلى أى شرعية للبقاء فى مكانها للحظة أطول، ولذلك اضطر "سوناك"، إلى الدعوة لإجراء انتخابات، حتى لو كان ذلك يعنى الهزيمة شبه المؤكدة لحكومته، وتوضح التعليقات الإعلامية، أن حزب العمال بزعامة السير كير ستارمر، يُنظر إليه الآن على أنه أداة موثوقة وأكثر فاعلية لشن الحرب فى الخارج، ولفرض إجراءات التقشف اللازمة لتمويل الحرب، ولقمع معارضة الطبقة العاملة، التى سيثيرها ذلك ولن تجرى حكومته أى تغييرات على السياسة المحافظة، لكنها ستستمر فيها مع الاعتماد على خدمات الجهاز النقابى. وإذا فاز حزب العمال فى انتخابات الرابع من يوليو، فستكون أول رحلة دولية لستارمر هى قمة الناتو فى واشنطن، حيث ستتم مناقشة خطط تكثيف العدوان ضد روسيا.

إن الخطر السياسى الكبير، الذى يواجه الطبقة العاملة، هو أنه فى الوقت الحالى لا يوجد سوى القليل من الفهم لمدى تقدم الاستعدادات لحرب أوسع، ومن أجل نزع سلاح الطبقة العاملة ينصب التركيز الآن على الجهود الرامية إلى تقليص المعارضة لحزب العمال، إلى تصويت احتجاجى غير ضار فى الدوائر الانتخابية ذات الأغلبية المسلمة، وضد النواب الأكثر يمينية، حيث سيجب أيضًا دعم حزب العمال باعتباره أخف الضررين مقارنة بحزب المحافظين وأنه من الممكن الاندفاع نحو اليسار.

هذه الخيانة السياسية يحاربها حزب المساواة الاشتراكية، الذى يقدم مرشحين فى هذه الانتخابات فى مواجهة حزبى المحافظين والعمل، ويحذر من أن حكومة ستارمر ستكون عدوًا لدودًا للطبقة العاملة، فهى عازمة على شن حرب فى الخارج وشن حرب طبقية فى الداخل، وبالتالى يكمن هدف حزب المساواة الاشتراكية فى تنظيم حركة جماهيرية للعمال والشباب ضد الإبادة الجماعية فى غزة، والحرب فى أوكرانيا وخطط الحرب ضد الصين، وبناء القيادة الاشتراكية اللازمة لنضال الحياة والموت، وإذا فاز حزب العمال ب الانتخابات فإن بريطانيا التى كانت معروفة ذات يوم باستقرارها السياسى سيكون لديها ستة رؤساء وزراء فى ثمانى سنوات، وهى المرة الأولى منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر.

بالنسبة للديمقراطيين تشكل الحرب فى الشرق الأوسط معضلة السياسة المحلية، فخلال الانتخابات العامة للمملكة المتحدة، التى ستعقد فى 4 يوليو، فإن حزب العمل لديه فرص جيدة للفوز، لكن كما هى الحال فى الولايات المتحدة، يعيق الصراع فى الشرق الأوسط النجاح المعلن لكير ستارمر، رئيس حزب العمل، الذى يتمتع بفرصة جيدة للفوز والإقامة الرسمية كرئيس الوزراء فى 10 داونينج ستريت هذا الصيف.

ومع ذلك فإن حزب العمل، يفتقر إلى الدعم من فئة من السكان، ففى مايو فقد الديمقراطيون دعم المسلمين، خلال الانتخابات البلدية ورؤساء البلديات فى إنجلترا وأراضى ويلز، وهم يمثلون حوالى 6 ٪ من إجمالى السكان البريطانيين، ووفقا لدراسة أجرتها سكاى نيوز انخفض دعم حزب العمل فى المناطق التى تضم عددا كبيرا من السكان المسلمين بنسبة 18 ٪ تقريبا مقارنة بذى قبل.

وبالتالى، فقد حان الوقت للاختيار بين المحافظين، الذين لديهم خطة للبلاد وبين العمال الذين ليس لديهم أى خطط، فمنذ وصوله إلى رئاسة الحكومة فى أكتوبر 2022 والسيد "سوناك"، يؤكد أنه نجح فى "استقرار" الاقتصاد، ووعد بأنه سيجلب "الأمن" لمواطنيه فى عالم "أكثر خطورة من أى وقت مضى"، مع استمرار الحروب فى أوكرانيا وغزة.

أضف تعليق

حظر الأونروا .. الطريق نحو تصفية القضية الفلسطينية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2