هناك اتفاق تام بين خبراء الاقتصاد من جهة، ومؤسسات الدولة من جهة أخري، أن الطبقة المتوسطة في المجتمع المصري، هي المحرك الرئيسي لنمو الاقتصاد الوطني والداعم الأول للناتج المحلي الإجمالي للوطن والعمود الفقري لحركة الأسواق المصرية ونمو القطاعات الاقتصادية المحلية.
أسباب كثيرة ومتنوعة جعلت الطبقة المتوسطة في المجتمع تقود نمو الاقتصاد الوطني، منها أنها تمثل الشريحة الأكبر من القوة الشرائية بالمجتمع، فضلاً عن كونها الطبقة التي لا تحمل الميزانية العامة للدولة أية أعباء مالية في برامج الدعم والرعاية الاجتماعية، وفي المقابل تعد هذه الطبقة الممول الأول للحصيلة الضريبية والجمركية في الموازنة العامة ، والمحرك القائد لحركة الأسواق والتجارة والإنتاج الصناعي.
ويتفق الجميع أيضًا أن الطبقة المتوسطة في المجتمع المصري هي الطبقة التي تحملت بجسارة فاقت قدرتها في كثير من الأحيان، الأعباء المتتالية لفاتورة برامج الإصلاح الاقتصادي علي مدار أربعة قرون مضت، في الوقت الذي تقلصت فيه قدرتها المالية علي تحمل أعباء الحياة نتيجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات بدون ارتفاع موازٍ لدخلها من المرتبات والمعاشات.
ومع بدء العد التنازلي لجولة جديدة من جولات الحوار الوطني، والتي من المنتظر أن يكون محور النقاشات فيها حول برامج الدعم والرعاية الاجتماعية المقدمة للفئات غير القادرة، لم يعد مقبولاً أن تنحصر تلك المناقشات في المقارنة بين الدعم العيني ومثيله النقدي وهي القضية التي قتلت بحثا في عصور وأزمنة سابقة، فلا داع من الرجوع إلي المربع صفر في هذه القضية المحورية التي تمس حياة المواطن المصري.
يتوجب علي المجتمعين في حوارهم الوطني أن تنحصر مناقشاتهم في إعداد تصور قابل للتنفيذ علي أرض الواقع يستهدف توسيع وتعزيز قاعدة المستفيدين من برامج الدعم والرعاية الاجتماعية، لتشمل إلي جانب الفئات غير القادرة، الطبقة المتوسطة في محاولة لتعويض خسائر تلك الفئة من المجتمع جراء تحملها أعباء برامج الإصلاح الاقتصادي التي طالت مدخراتهم الحياتية، وأرزاقهم اليومية، ما أدي إلي تراجع مستوي معيشتهم خلال السنوات القليلة الماضية.
مطلوب أفكار جديدة من برامج الدعم المبتكرة المبنية علي دراسات واعية بطبيعة معاناة الطبقة المتوسطة بالمجتمع المصري، تهدف في المقام الأول الحفاظ علي هذه الطبقة المحركة للاقتصاد وبذل المزيد من الجهد للنهوض بمستوي الخدمات والرعاية المقدمة لهذه الطبقة، حتي لا تنزلق هذه الفئة من المجتمع نحو المستويات غير القادرة علي مواجهة تحديات وأعباء المعيشة، وما ينتج عن ذلك من تداعيات خطيرة علي مسيرة النمو الاقتصادي وتراجع حركة الأسواق ودخولها لمراحل جديدة من الركود وانخفاض مستويات الإنتاج والتصنيع.