وصلت قبل 4 أيام من كتابة هذا الكلام الذي تقرأه.. خرجت من بيتي محرما، وفي اليوم الأول لوصولي أديت عمرة التمتع، ثم تحللت من إحرامي في انتظار العودة إليه مرة أخري مع بداية الانخراط في مناسك الحج ، أعظم وأجل رحلة لأقدس مزار يمكن أن يتوجه إليه المسلم؛ وشرط الرحلة التي يسعي فيها المسلم لنيل القبول، أن يصل إلي بيت الله وقد أدرك، إدراكا تاما، عظم وجلال المزور والزيارة، فيقبل علي الله ورسوله بكليته، ولن يكون هذا بالاجتلاب وإن سعي إليه الزائر غير صاف النية، فهذا هو الشرط الأول للقبول، أن تصفي نيتك وأنت ذاهب للقاء ملك الملوك.. خالقك.. ربك ورب كل شيء، وأن تهيأ عقلك وقلبك لما أنت مقبل عليه، ليس مطلوب منك أن تكون درويشا، لتصل إلي مبتغاك، وإلا ما جعل الله الحج فريضة منضبطة، لا تصح إلا بأداء مناسك محددة، فرضها الله علي المسلم، ولزمها الأخير منذ أداها الرسول محمد بن عبد الله أول مرة، وإلي اليوم. في الحرم المكي رأيت البشر أشكالا وألوانا فأدركت بعمق قول الله تعالي: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات، وأمام الكعبة في انتظار صلاة الفجر فتحت المصحف وقرأت وتوقفت عند قول المولي تعالي في سورة البقرة: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ} (آل عمران: 67)، وطرأ علي خاطري سيرة أبي الأنبياء الذي رفع القواعد من البيت، وطهره للناس، ليعود مزارا ورمزا لتوحيد رب العالمين، وهذا التوحيد وإفراد الله سبحانه وتعالي بالعبادة.. التوحيد لم تخل الأرض منه لحظة ولم تسكت عنه مخلوقاته طرفة عين منذ أن خلق الله الأرض واستخلف بني، آدم عليها. وواصلت الإمعان في كلام الله تعالي ليزداد ادراكي للمعان التي وردت خاصة بسيرة أبي الأنبياء ، خليل الله، إبراهيم عليه السلام، وعهد الله معه، وشرط توريث هذا العهد لخلفائه، ومرة أخري توقفت عند قول الله تعالي: "وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينََ"، وسألت نفسي: من الظالمين من ذرية إبراهيم؟.. الذين لن ينالوا عهد الله.