قال الله تعالى، "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا"، وأجمع الفقهاء على أن المقصود بالاستطاعة هى القدرة المادية والبدنية معً ، فإن كان ذو مال ويفتقد القدرة البدنية يجوز أن يندب غيرة ليحج عنه.
والقدرة أو الاستطاعة نسبية تختلف من مكان لآخر ومن زمان لآخر، وإن كانت الاستطاعة هى شرط للحج، إلا أن الاستطاعة وحدها أصبحت غير كافية لإتمام مناسك الحج .
فمنذ عهد قريب كان حج البيت متاح للجميع ولمن استطاع السفر والإنفاق ولكن مع ازدياد أعداد المسلمين فى بقاع الأرض وتوافر القدرة المادية لدى الغالبية العظمى من المسلمين، وجب على الدولة المضيف تنظيم الحج ووضع القواعد التى تضمن سلامة الحجيج والعمل على توفير المناخ المناسب لأداء المناسك فى يسر وأريحية دون مشقة أو عناء، ومن هذه القواعد التى تحرص المملكة على إتباعها هى تحديد عدد الحجاج لكل دولة إسلامية حسب عدد سكان تلك الدول بحيث لا يزيد العدد الإجمالي عن الأعداد المقررة لكل موسم.
وبما أن الحج أصبح للأسف كأى سلعة تخضع للعرض والطلب، وأدى زيادة الطلب على أداء تلك الفريضة الهامة إلى ارتفاع رسوم ومصاريف الحج ، حتى بلغ مئات الآلاف من الجنيهات وأصبحت نفقات الحج تمثل معضلة كبيرة لسواد الناس، الأمر الذى جعل فئة من الراغبين في الحج تتحايل على زيادة تلك النفقات بالسفر قبل موسم الحج بفترة بنظام خطابات الزيارة، والبقاء بطريقة غير مشروعة حتى البدء فى مناسك الحاج والدخول إلى مكة خلسة .
لكن هذه الظاهرة كانت غير منتشرة بشكل ملحوظ، وكانت الأعداد التى تنتهج هذا المسلك أعدادًا مقبولة لا تشكل ظاهرة مقلقة .
لكن هذا العام مثلت تلك الأعداد مشكلة كبيرة بل كارثة كبيرة على باقى الحجاج الرسميين ، نتج عنها فقد السيطرة التنظيمية على هذا العدد الذى فاق ما هو رسمي بكثير، وكانت النتيجة الحتمية التى تناقلتها وسائل الإعلام، وفاة أعداد كبيرة من الحجاج وفقد أعداد أخرى لم يتم العثور عليهم حتى الآن.
وحتى نكون منصفين فإن زيادة عدد الحجيج فاق قدرة المملكة على تنظيم هذا الموسم، خاصة أن تلك الأعداد الغفيرة لم تكن متوقعة.
ولا أدرى كيف فكر هؤلاء النازحين بخطابات زيارة فى مشروعية حجتهم، والأكثر غرابة ما تناقلته وسائل إعلامية من ذهاب إحدى الطالبات لأداء مناسك الحج وتركت صديقتها لأداء الامتحانات بدلا منها، فمن أراد الحج بخطابات زيارة لا يختلف عمن دلست وغشت امتحاناتها عن طريق طالبة أخرى، حتى هذه الشعيرة المباركة والركن الخامس من أركان الإسلام لم يسلم من فهلوة المصريين .
يا سادة كل ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام وما تم من ضغط على المملكة بقوة الأمر الواقع والسماح لحجاج الزيارة بدخول مكة، نتج عنه كما قلنا كارثة إنسانية من وفيات وفقد على النحو الذى أفسد متعه الحج ومهابته.
وعلى المملكة مزيد من التنظيم والقواعد الصارمة وفى اعتقادى هناك أمر آخر يمثل جانب مهم من مشكلة التزاحم والتحايل لأداء هذه الفريضة المباركة، وهى السماح بتكرار أداء الفريضة للفرد أكثر من مرة، لدرجة أن بعض الناس يذهب كل عام، وهؤلاء ليسوا بالقليلين مما يضيع الفرصة على آخرين، بالإضافة إلى أن قدرة هؤلاء المادية تجعلهم يزايدون ويعرضون مبالغ طائلة للحصول على فرصة الحج، الأمر الذى يحرم أعدادا أخرى تتمنى أداء المناسك، فلماذا لم يكتف هؤلاء بالحج مرة واحدة أو مرتين ويتركون الفرصة لغيرهم؟!
أعتقد أن المزاحمة والمغالبة فى أداء الفريضة ليس من الإسلام أو الشرع فى شئ.