أفكار.. آخرتها الحرق بالنار !

أفكار.. آخرتها الحرق بالنار !كلية هندسة عين شمس

كنوز أكتوبر23-6-2024 | 15:50

على الطريق الزراعى شيد القصر.. وسط المزارع والمروج.. تم بناؤه آية من آيات الفن والإبداع.. يعيد مظهره الخارجى إلى ذاكرتك ليالى ألف ليلة وليلة.. فجأة اشتعلت النيران فى القصر وتحول كل ذلك إلى كومة من الرماد!

والغريب أن المهندس الذى قام بتصميم القصر وبنائه لم يحزن.. حقًا إن النيران التهمت القصر ولكن لماذا يهتم وقد حصل على الشهادة التى تؤهله مهندسًا للديكور من كلية الفنون التطبيقية بطبيعة الحال كان القصر على الورق.. كمشروع من مشروعات التخرج التى يقوم بتنفيذها طلبة البكالوريوس بكليات الفنون.. وهناك آلاف من المشروعات التى يقوم بتصميمها وتنفيذها طلبة السنوات النهائية بكلية الفنون التطبيقية وأيضا تلاقى هذه المشروعات نفس المصير تجمع التصميمات وتوضع فى أدراج وكل عدة سنوات تجمع مرة أخرى لتشعل فيها النيران.

ولا يقتصر الأمر على كليات الفنون فقط ولكنها تمتد لتشمل بعض الكليات العملية التي تطلب من طلابها عمل مشروع للتخرج.

وهنا سؤال مهم محتاج لإجابة وهو: هل كل المشروعات التى يقوم بها طلبة السنوات النهائية هى مشروعات وهمية لا تمت إلى الواقع بصلة ولماذا لا تكون المشروعات واقعية إن لم تنفذ فعلى الأقل تمكن الطلبة من العيش فى واقعهم وعدم الابتعاد عنه؟

انقسمت الإجابة على هذا السؤال إلى جانبين متناقضين.. الأول يتبناه معظم الأساتذة ويقولون: إن الهدف من هذه المشروعات هدف تعليمى بحت يؤهل الطالب للتخصص العلمى فى الدراسة، والثانى يتبناه معظم الطلبة ويقولون: إننا نريد مشروعات واقعية واضعة فى اعتبارها إمكانيات البيئة المصرية وبالتالى ممكن أن تنفذ على أرض الواقع.. ويتساءل الطالب صاحب القصر: لماذا لم يطلب منا مثلا تنفيذ مشروع يستفيد منه عدد كبير من الأفراد مثلا عمارة سكنية تقوم بتأسيسها من أثاث وديكورات ونراعى فيها إمكانيات الشباب المقبل على الزواج، فنحن نستطيع أن نكلف الشقة تكلفة بسيطة جدًا بالنسبة لما تتكلفه مثيلتها بالأسعار العادية، فلدينا ورشة نجارة التى يمكن الاستعانة بها والآلات والأدوات فى كل ورشة ولا ينقصها سوى الخامات ويمكن تنفيذ المشروع بالتعاون بين الكلية والمحافظة على أن تقوم الأخيرة بالتسكين وبهذا نحقق هدفين بضربة واحدة، الهدف التعليمى والهدف القومي المفيد.

أما ما يحدث فى كليات الفنون فهو لا يختلف كثيرًا وهو أمر عجيب أيضا، فطلبة السنة النهائية لقسم النحت يقومون بعمل تماثيل وتحف وقطع للزينة يقومون بتنفيذها ضمن مشاريع تخرجهم ولكن الشىء المحزن حقا هو المصير الذى تنتهى إليه هذه الأعمال.

ففى الوقت الذي ننادي فيه بنظافة القاهرة وزينتها لأنها تمثل واجهة مصر الحقيقية فإن هذه التماثيل ينتهي أمرها، أما أن تلقى فى النيل وتبتلعها المياه وأما أن تحفر لها حفرة فى فناء الكلية وتدفن فيها.

ولنا أن نتصور ماذا يكون الحال إذا استخدمت هذه القطع الفنية فى تزيين الميادين العامة وداخل العمارات ووسط الحدائق والمبانى الضخمة، بل حتى الوزارات و المصالح الحكومية فنستطيع أن نحسن وجه القاهرة وأيضا نزرع وننمي حاسة الفن عند الناس لو استغلينا هذه الأعمال الفنية الاستغلال السليم.

ويقول الدكتور عبد الفتاح العزازى، أستاذ مساعد بقسم التصميم الداخلى بكلية الفنون التطبيقية: إن أساس تخصص هو تنسيق المدن والميادين العامة وأثناء دراستي في مدريد وجدت أن مدريد تحافظ قدر الإمكان على الطابع القومي للبلد، فقد نجد عمارة مبنية على أحدث طراز وجميع طوابق العمارة مصممة تصميمات حديثة ولكن مدخل العمارة والواجهة نجدها تحمل الطابع الإسبانى العريق فأغلب أبنية المدينة تضم الحديث والقديم فى نفس الوقت فهى تأخذ بأسباب الحضارة ولا تنسى تراثها أبدًا ويقدم الدكتور العزازى اقتراحا يهدف إلى أن تطلب محافظة القاهرة هذه الأعمال الفنية التى تعملها الكلية كل عام وتقوم بتوزيعها على كل ميدان أو شارع أو مدخل عمارة أو فندق حتى تثير خيال مواطنينا، خاصة الأطفال وتربطهم بتاريخهم وبالتاريخ العالمى بصفة عامة.

أما الدكتور محمد كامل يوسف، عميد كلية الفنون التطبيقية فيقول: إن التعامل بين الكلية وباقى المحافظات قائم بالفعل ولكن بين الكلية وبين محافظة القاهرة مقطوع تمامًا، أما أعمال الطلبة من مشروعات وغيرها فإنها تذهب إلى مخازن المشغولات بالكلية لتحفظ ويوجد معرض ملحق بالمخازن مفتوح لكل طالب لمشاهدة أعمال زملائه، الذين سبقوه فى الدراسة بالكلية، أما بالنسبة للتماثيل التى يضعها الطلبة فهى من الجبس وعمرها قصير ولا تصلح للعرض فى أماكن مفتوحة لمدة طويلة ولذلك تقوم الكلية بكسرها ودفنها، أما التماثيل التى تتحمل العرض لفترات طويلة فيجب أن تصنع من البرونز أو الخشب أو الحجر وهذا يجب أن يتم باتفاق مسبق.

أما عن طلبة الهندسة يتحدث الدكتور محمد الهاشمي ، عميد كلية هندسة عين شمس قائلا: المشروع الذى يقوم به الطالب أولا وأخيرًا هو جزء من الدراسة لذلك تطلب منه أن يتفرغ للقيام به لمدة أربعة أسابيع بعد الامتحانات ومشروعات الكلية لا تأتى من الخيال بل يحاول الطالب من خلالها أن يقدم شيئًا جديدًا فى خلال هذه المدة القصيرة وهناك معارض يقيمها قسم العمارة بالكلية لعرض المشروعات، وإذا كان هناك بعض هذه المشروعات لافتة للنظر فيقوم الأستاذ المشرف على المشروع بالاحتفاظ به ودراسته وبالفعل بدأ اتجاه جديد فى كلية الهندسة هو عدم قصر مشروعات الكلية على الناحية التعليمية فقط بل النظر إليها بمنظار أبعد من ذلك وهو إمكانية الاستفادة منها وتطبيق بعضها مستقبلا.

المشروعات الجيدة تحجزها الكلية وتعرض فى معارض يحضرها بعض المسئولين وبإمكان المشرف على المشروعات إذا تأكد من امتيازه أن ينقله إلى مراكز الدراسة للاستفادة منه.

وأخيرًا علينا أن نتساءل إلى متى سيظل العلم والمؤسسات التعليمية بعيدة عن خدمة البيئة التى نعيش فيها وبعيدة عن احتياجاتنا الفعلية؟! ولماذا لا يتم إنشاء جهة متخصصة على مستوى قومى تكون وظيفتها الحصول على الممتاز من هذه المشروعات والصالح للتطبيق وتقوم بتنفيذها؟!.. إلى متى ستدفن المشروعات فى الأدراج والمكاتب؟

إن هذه التساؤلات فى حاجة إلى إجابة سريعة حتى تتحول هذه المشروعات إلى أهداف عملية تفيد الوطن والمجتمع.

نشر بمجلة أكتوبر فى يوينو 1978م – 1398هـ

أضف تعليق