نعم قُتلوا.. قُتلوا بسكين النصب المسنون على سندان الطمع.. قتلوا وكانت كل أمانيهم أن يحققوا حلم أعمارهم التى هرمت فى انتظار هذه اللحظة الفارقة.. قتلوا لأنهم لا يملكون إلا هذا القدر الضئيل من المال فاضطروا أن يذهبوا بإرادتهم، لمن قتلوهم..!
أكثر من 550 إنسانا- بينهم 323 مصريا تنتهى حياتهم بطريقة تدمى القلوب.. جثامينهم الطاهرة ملقاة فى الشوارع والصحراء بعد أن أنهكها التعب والإجهاد وأصابتها الشمس الحارقة بضربة قوية لم تتحملها أجسادهم الهزيلة المنهكة ولا أعمارهم التى نخر فيها الزمان كل علامات الترجى والتمنى لهذا اليوم المعهود.
كارثة إنسانية تتحقق تفاصيلها المؤلمة وتسجلها كاميرات الهواتف التى راحت تصول وتجول تنظر بثبات مرعب ومؤلم مكتفية فقط بترديد لا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون.. كارثة وفى جوفها الحقيقة القاسية التى رسمت كاميرات الموبايل قشورها الخارجية، آباء وأمهات، شيوخ وعجائز، التهمهم الحر الشديد دون أن يهتز جفن لهؤلاء الذين ألقوا بهم فى هذه التهلكة وهم يعلمون أنهم لن يتحملوها ولن يستطيعوا تحقيق حلمهم، ألقوا بهم فى غياهب المجهول بعد أن حصلوا على تحويشة عمرهم وصك تحقيق حلمهم الأبدى.
550 حاجا، لقوا حتفهم، ومن بينهم 323 مصريا، هرموا من أجل أن يصلوا إلى لحظة رؤية الكعبة وتكحيل عيونهم بسوادها.. انظروا حجم الكارثة.. حجاج من كل جنسيات العالم ماتوا بهذا العدد ومصر وحدها مات لها نصف هذا العدد ويزيد.. لماذا نحن؟.. لماذا الحجاج المصريون المتوفون بهذا العدد الكبير دونما دول أخرى؟
وزارة الداخلية المصرية أكدت فى بيان رسمى لها عدم وجود مفقودين من الحجاج المصريين (القرعة – السياحة – التضامن) المسجلين ضمن المنظومة الخاصة بالبوابة المصرية الموحدة للحج.. وأن المفقودين المتوفين غادروا البلاد لأداء فريضة الحج بمعرفتهم الشخصية".. وهنا تكمن الكارثة.. ما الذى حدث؟.. وكيف حدث؟.. ومن المسئول عن ذلك؟
حجاج "غير نظاميين" أو حجاج حملوا تأشيرات الزيارة دون تصريح بالحج.. هكذا يدور الحديث، وبشىء من التوضيح، تحدث البعض ومنهم نواب فى البرلمان، عبر طلبات إحاطة واستجوابات بأن هناك بعض شركات السياحة والسماسرة الذين أوهموا أهالينا من البسطاء بإمكانية الحج بأقل التكاليف، ووضعتهم فى موضع الاتهام داخل السعودية، مما زاد من حملات التفتيش والرقابة عليهم، الأمر الذى دفعهم إلى الهروب فى الطرقات والشوارع، بلا مأوى يتعرضون للحر الشديد والإجهاد وقلة الماء والطعام.
هذه جريمة مكتملة الأركان بل هى أكثر من جريمة -ربما يضبط لها القيد والوصف خبراء القانون - لذلك لابد من تحرك سريع وعاجل وحاسم من قبل الجهات المعنية للتحقيق فيما حدث لمعرفة من المسئول، ويتم محاسبته على كل جرم ارتكبه فى حق هؤلاء الأبرياء.
وفى سياق متواز ومتصل يجب أن تكون هناك أفكار بنّاءة وفعّالة، لضمان عدم تكرار ما حدث مرة أخرى فلماذا لا نضع نظاما للحج خاصا بنا، نستفيد فيه من تجارب نجحت فى دول أخرى، مثل التجربة الماليزية، فهم لديهم مؤسسة مركزية، هى المسئولة عن تنظيم كل صغيرة وكبيرة فى الحج، الطفل الماليزى عند ولادته، يفتح له والده حساب ادخار بمبلغ بسيط فى هذه المؤسسة، ويظل الوالد يدخر، ثم الولد حتى يصل إلى مبلغ معين وقتها يصرح له بالتسجيل فى بعثات الحج، وتحدد له الحكومة العام الذي سيحج فيه، وأيضا تقوم بتقديم برامج ادخارية لمعاونة غير القادرين على الادخار من أجل توفير المبلغ اللازم للحج.. هذه تجربة بها تفاصيل كثيرة أثبتت نجاحها وهناك تجارب أخرى بالتأكيد يمكن أن نستفيد منها فى وضع نظام يناسب الحالة المصرية ويضمن لكل مصري أداء هذه الفريضة بكرامة وأمان.