بقدر ما شهدت السينما المصرية تراجعا وانتكاسة في الإنتاج والإيرادات خلال الفترة التي سبقت ثورة 30 يونيو 2013، بقدر ما انتفضت بطفرات كبيرة منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.
وانعكس الاستقرار السياسي في البلاد على إنتاج السينما وعزز من ذلك إيرادات غير مسبوقة في تاريخ السينما حيث تخطت الكثير من الأفلام حاجز الـ100 مليون في الإيرادات ما منح الإنتاج دفعة كبيرة.
ولعل المشهد بالنسبة لفيلم "ولاد رزق 3"،الذي ينافس في موسم عيد الأضحى الحالي، كاشفا لتلك الحقيقة، حيث نجح في تخطي حاجز الـ150 مليون جنيه إيرادات خلال أيام فقط،وتصدر قائمة الأفلام الأعلى إيرادا في تاريخ السينما المصرية.
كما حقق عدة أرقام قياسية إذ أصبح أعلى إيراد يومي وأسبوعي في تاريخ السينما المصرية،وصاحب أعلى إيرادات افتتاحية في الوطن العربي،وصاحب أعلى إيراد في أول أيام عيد الأضحى.
ويضم فيلم "ولاد رزق 3: القاضية" مجموعة كبيرة من الفنانين،بينهم أحمد عز،كريم قاسم،عمرو يوسف،علي صبحي،آسر ياسين،سيد رجب، أسماء جلال، نسرين أمين، كريم عبدالعزيز، تأليف صلاح الجهيني، وإخراج طارق العريان.
"ولاد رزق 3" كان قد كسر الرقم الأعلى في تاريخ السينما المصرية والذي حققه فيلم "بيت الروبي"،بإيرادات بلغت 120 مليون جنيه، وشارك في بطولة الفيلم كريم عبد العزيز، كريم محمود عبدالعزيز، تارا عماد، نور اللبنانية، من تأليف محمد الدباح وإخراج بيتر ميمي.
أما فيلم "كيرة والجن" فهو كذلك بطولة كريم عبد العزيز إلى جانب هند صبري، أحمد عز، سيد رجب ، هدي المفتي، تأليف أحمد مراد وإخراج مروان حامد، وبلغت إيراداته 119 مليون جنيه.
وقبله نجح كذلك الفنان كريم عبدالعزيز في الوصول تخطى حاجز الـ100 مليون بفيلم "الفيل الأزرق 2"، وبلغت إيراداته 103 مليون جنيه، وشارك في بطولته هند صبري، نيللي كريم، إياد نصار، تارا عماد، أحمد خالد صالح ، والفيلم من تأليف أحمد مراد وإخراج مروان حامد.
أما فيلم "ولاد رزق 2" والذي تدور أحداثه حول أربعة أشقاء يحاولون الحفاظ على العهد بينهم بالابتعاد عن طريق الإجرام والسرقة، وشارك في بطولته أحمد عز،أحمد الفيشاوي،عمرو يوسف، أحمد داود،محمد ممدوح،كريم قاسم، تأليف صلاح الجهيني، ومن إخراج طارق العريان، فقد حقق كذلك إيرادات 103 مليون جنيه.
ودخل الفنان أمير كرارة قائمة الأعلى إيرادات في تاريخ السينما بفيلم "كازابلانكا"، وتدور أحداث الفيلم في إطار الإثارة والتشويق، حول ثلاثة أصدقاء يشكلون عصابة للسطو على السفن، وشارك في بطولته أمير كرارة، عمرو عبد الجليل، إياد نصار، غادة عادل، تأليف هشام هلال وإخراج بيتر ميمي، وحقق إيرادات بلغت 79 مليون جنيه.
بطولات الجيش المصري خلال حرب الاسنزاف
أما فيلم "الممر"، الذي يسطر إحدى بطولات الجيش المصري خلال حرب الاستنزاف بعد نكسة 1967 بعملية جريئة ضد معكسر إسرائيلي في قلب سيناء، فقد حقق 74 مليون جنيه، وهو بطولة أحمد عز، أحمد فلوكس، أحمد رزق، إياد نصار، محمد فراج، تأليف وإخراج شريف عرفه.
كذلك ضمت القائمة فيلم "واحد تاني"، وتدور أحداثه حول موظف أخصائي اجتماعي في مصلحة السجون، يكتشف أنه فاشل ويبحث عن طريقة لإعادة هذا الشغف، بطولة أحمد حلمي، روبي، أحمد مالك، سيد رجب، إخراج محمد شاكر خضير، وحقق الفيلم إيرادات بلغت 60 مليون جنيه.
بداية الانتعاشة في الإيرادات
وبدا واضحا من خلال الإيرادات التحول الكبير في مزاج المشاهدين بالتنوع بين الأفلام الكوميدية والأكشن والتاريخي،خلافا لما كان سائدة قبل ثورة يونيو 2013، حيث سيطرت الكوميديا على المشهد تماما.
ومن بين الأفلام التي أطلقت شرارة الإيردات المليونية كان "شد أجزاء" لمحمد رمضان وياسر جلال ودنيا سمير غانم، إخراج حسين المنباوى، وحقق 23 مليون و200 ألف جنيه، عند عرضه العام 2015.
وكذلك حقق فيلم "ولاد رزق" الجزء الأول 23 مليون جنيه وعرض بنفس التوقيت، بطولة أحمد عز وأحمد الفيشاوى وعمرو يوسف ونسرين أمين إخراج طارق العريان.
وحضرت الكوميديا بقوة في إيرادات العام 2016، بفيلم محمد عادل إمام "جحيم في الهند" إخراج معتز التوني، محققا 23 مليون جنيه.
وفي العام 2017، سيطر فيلم "هروب إضطراري" للفنان أحمد السقا على شبك التذاكر محققا 57 مليون جنيه، وفي المركز الثاني جاء النجم تامر حسني بفيلمه "تصبح على خير" بإيرادات 25 مليون جنيه، قبل أن تنطلق رحلة الإيرادات المليونية للأفلام المصرية بشباك التذاكر.
الإخوان وتقييد الفنون
من جانبه، يرى الناقد الفني إلهامي سمير أن ما حدث بعد ثورة يونيو أن الشعب رأى في فترة حكم الإخوان تقييدا لكل أنواع الفنون، ويمكن القول أن التقييد كان على كل المستويات وكل المدن وكل أنواع الفنون، وكانوا يتعللون بأن التقييد على الفنون الهدف منه السيطرة على الأمن القومي.
وأضاف سمير-في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط -أنه عقب الثورة قرر القائمون على المشهد الفني التوجه بجرأة أكثر في الإنتاج ومن هنا رأينا الأعمال الدينية والتاريخية ولأنها أعمال تم تنفيذها بطريقة جيدة،أصبحت الأكثر تحقيقا للإيرادات في تاريخ السينما المصرية، وهو الأمر الذي شجع المنتجين على تقديم أعمال متنوعة،ولم يعد هناك خوف من تقديم أعمال معينة سواء تاريخية أو دينية.
ويجب أن نؤكد أن الجمهور عاد مرة أخرى للسينما بسبب تواجد مثل هذه الأعمال،بحسب إلهامي سمير،وهو الأمر الذي جعل الأفلام تحقق الملايين، والجمهور أصبح يتجه للسينما لمشاهدة عمل متكامل من جميع الجهات وليس لأنه عمل يلعب بطولته نجم معين.
وأكمل إلهامي بقوله: الصناع بعدما بدأوا في الاهتمام بتقديم أعمال تعبرعما يتمناه الناس وجدنا أن السينمات أصبحت مكتظة،وأيضا أصبح هناك تساوي بين فكرة الوعي والبناء،قبل ذلك كان هناك صراع بين فكرة هل الفن وظيفته الوعي والبناء أم وظيفته تحقيق مكاسب؟،أنا شخصيا أرى أن الفن يجب أن يركز على كل هذه الأمور.
وختم حديثه بالقول:نحن خلال الفترة الأخيرة أصبحنا نقدم أعمالا تهم قطاعا عريضا من الجمهور وهو الأمر الذي شجع الأسرة المصرية للعودة لدخول السينما مرة أخرى، وهو الأمر الذي شاهدته مؤخرا في فيلم "السرب" مثلا، والمفاهيم تغيرت ومن غيرها هو أننا بعد الثورة تفادينا فكرة أن نتحول من أقصى اليمين لأقصى اليسار،وأصبحنا نقدم أعمالا فنية تحاكي الأعمال الأجنبية والعالمية،وفي النهاية الانضباط وأصبحنا أكثر جرأة في الإنتاج إلى جانب الطرح والتناول،فبات القائمين على الفن يستمعون لصوت الجمهور من أجل تقديم أعمال هادفة يمكنها أن تمثل مصر في الخارج.