أحمد عاطف آدم يكتب: رسالة أم راحلة

أحمد عاطف آدم يكتب: رسالة أم راحلةأحمد عاطف آدم يكتب: رسالة أم راحلة

*سلايد رئيسى21-11-2018 | 15:05

أثناء إعدادي لفنجان الشاى المعتاد بعد تناول الإفطار، لم أحتمل ثقل براد الشاي في يدى، فمعصمي ضعيف، ربما تقدمي في السن وإصابتي بهشاشة العظام هما من أهم أسباب ضعف قوتي وإعتلال أعصابي، أيضا قد تكون طبيعة عملي الإداري السابق كموظفة ثم مديرة بنك أحد أهم الأسباب التي لابد من وضعها أيضا في الاعتبار، أعيش بمفردي في شقتي الفاخرة على ضفاف النيل الخالد، بعد وفاة زوجي ورفيق الدرب في تلك الحياة الغريبة عني! ، نعم غريبة.

لم أعانِ من غرابتها وغربتها إلا تلك الأيام، ولذلك قررت أن أكتب وأعبر عما أعانيه، أمسكت بصديقي القلم وطلبت منه أن يساعدني علي كتابة رسالة لأعز الناس قبل أن أصل لمحطتي الأخيرة التي كم أمنى نفسي بالوصول إليها ومقابلة أحبائى من الزمن الجميل، أبي ، أمي، أشقائى وكل من أحببتهم وفارقونى تاركين لي وحدتي وآلامي.

- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ابني الحبيب تحية طيبة وبعد...

أعرف أنه لم يعد لديك الوقت الكافي للاهتمام بي، فعملك كطبيب شهير وضغوط الحياة، عيادتك محاضراتك الجامعية لتلاميذك، زوجتك وأبنائك، ومتابعة بناء برجك الشاهق، هم أهم مني. حتى اليوم الوحيد الذي أنتظره منك كل شهر لأراك أنت وأسرتك دائما ما يشاركني فيه أصدقاؤك غير المرئيين، تجلسون بجواري وكل منكم يمسك بهاتفه ويركز بعمق في تواصله الصامت معهم، حتى أنني لازلت أتذكر جيدا آخر زيارة لك بصحبة زوجتك وأبنائك، هل تتذكر عندما قررت أن أعد لكم واجب الضيافة دون أن أكسر حاجز صمتكم فذهبت إلى المطبخ أتحسس خطواتى برفق، وقعت على الأرض وسقطت مني فناجين الشاي وأنا في مطبخي، فهرعت أنت وحدك للاطمئنان عليّ، بعدما سمعت زوجتك تقول لك: ادخل شوف في إيه! دون أن يتحرك لها ساكن، وفوجئت بك تعنفني على اتخاذ قرار إعداد الشاى لكم، معلا ذلك بأنك لم تطلب مني إعداده. نظرت إليك ودموعى أبت أن تنزلق لترتمي في أحضان قلبك المتحجر، حينها سألت نفسي. هل أنا السبب فيما وصلت إليه أنت من جفاء، أم أنّ زمانكم هو السبب في جحودكم وبلادتكم؟.

طبيبي المريض والفقير، ماذا تعلمت في مدارسكم عن الأم؟ هل تتذكرنى وأنت صغير، لن أحدثك كثيرا عن معاناتي وأنت في بطني وأنا على مشارف الأربعين أخاطر بحياتي لتنعم بحياتك، وكل ما كنت أتمناه حينها هو أن تأتي أنت للدنيا وأُملي عينى منك وأقبلك وأضمك إلى صدري حتى لو توفاني الله بعد ذلك، وهل تعلم أيضا أننا أنفقنا أنا وأبيك رحمه الله طيلة ١٩ عامًا كل ما نملك وتشبثنا بالأمل حتى رزقنا الله بك، ومع أننا لم نرزق بأخ أو أخت لك إلا أن فرحتنا لو وزعت على الكون لن تفنى.

صغيري اعلم عندما تقرأ رسالتي بعد وفاتي، أن جيلنا لم يقصر في تربيتكم، كنت أذهب لعملي وأتابع دراستك وأصطحبك معي وأنت صغير لزيارة أمي وجدتك لأبيك، وكنت حريصة كل الحرص أن أعطيك في يديك البريأتين ما تتصدق به حتى تشعر بقيمة هذا العمل، أوصيتك بالضعفاء وأخبرتك أن لهم الله، ألم ترَ أنني أصبحت منهم الآن. كل ما أخشاه عليك هو وقت الحصاد عندما تبلغ سنى ووهني.

أخيرا لتعلم أن بلادة أبنائك بعدما كبروا وسمعوا صوت ارتطامى بالأرض ولم يأتوا للاطمئنان على جدتهم، ما هو إلا زرعك فيهم، فما عساك أن تحصد !، لو تأخذ بنصيحتي لعلها الأهم من أمك وربما الأخيرة: " استبدل نبتة الجفاء والجحود التى غرستها في أبنائك بأخرى يكون حصادها العطاء والحب واحترام الكبير وصلة الرحم وتحمل المسئولية تجاه الآخرين".

توقيع: أمك الراحلة

    أضف تعليق