أول دكتوراة عن الموسيقى في الإسلام

أول دكتوراة عن الموسيقى في الإسلامالموسيقى في الإسلام

كنوز أكتوبر30-6-2024 | 16:02

هذا الموضوع قد لا يريح بعض الناس ولكن قبل التسرع فى الحكم عليه تعالوا نتابع أول رسالة دكتوراة من نوعها تتضمن مفاجأة مثيرة.

أشرف على الرسالة د. إبراهيم نجا، وكيل جامعة الأزهر ، كما شارك فى مناقشتها د. محمد كمال جعفر، رئيس قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم وأجازوا الرسالة بجانب الأعضاء المتخصصين فى الموسيقى.

وتقول صاحبة الرسالة الباحثة سهير عبد العظيم: إن الدافع الأساسى لقيامها بهذه الدراسة هو محاولة حسم الخلاف حول هذا الموضوع والرد على النقد الذى يعيب على الفتاة المسلمة التى ترتدى الزى الإسلامى الالتحاق بأحد معاهدنا الموسيقية ويرى فى ذلك تناقضًا جوهريًا على الإسلام فأردت أن أتصدى للموضوع منذ عامين بالبحث رغم حساسيته.

وعن النتيجة التى توصلت لها، قالت د. سهير عبد العظيم: إن الإسلام لم يحرم السماع ما لم يؤد إلى محرم كأن يستخدم فى مجالس اللهو والخمر واستثارة الشهوات بكلمات مبتذلة، أما الأغانى التى تتناول معان إنسانية رفيعة ولا تثير فهى محللة.. إن الإسلام لم يأت ليكبت الأحاسيس الإنسانية وإنما جاء لينظمها ويهذبها بما يفيد الفرد والمجتمع.

وعن الأدلة التى تؤيد رأيها قالت: الأدلة من السُنّة النبوية الشريفة وكثير من مواقف كبار الأئمة، فلو طالعنا التاريخ الإسلامى لوجدنا ما يؤيد ذلك الرأي، فمثلا عمر بن عبد العزيز كان شاعرًا وموسيقيًا رغم تقواه وارتفاع المكانة التى احتلها فى التاريخ الإسلامى كخامس الخلفاء الراشدين، وكان رسول الله يعلم حب الأنصار للسماع، هم الذين استقبلوه بالأنشودة التاريخية الرائعة «طلع البدر علينا» وسمح لهم بالسماع بل حثهم عليه.

كما نرى فى قصة عائشة مع أحد الأنصار حين أوصلت له عروسه فسألها النبى بعد عودتها «أهديتم الفتاة إلى بعلها؟ فأجابت عائشة: نعم.. فقال الرسول y: &laqu;بعثتم معها من تغني:
أتيناكم أتيناكم
فحبونا نحييكم
ولولا الحنطة السمراء
ما سمنت عذاريكم
ولولا الذهب الأحمر
ما وصلت بواديكم

وقال رسول الله y: «أو ما علمت أن الأنصار قوم يحبون الغزل».

ومن الأسباب الجوهرية لوقف ازدهار الموسيقى بل جميع الفنون فى بداية ظهور الإسلام أن الرسول شغل بنشر الدعوة الإسلامية هو وصحبه، ولذا لم يتوافر الاستقرار الاجتماعى والاقتصادى الذى لا بد منه حتى يزدهر أى فن من الفنون فإن الصحابة فى مطلع الدعوة كان يحتاجون إلى كل دقيقة فى حياتهم لبناء الشخصية الأخلاقية استعدادًا لنشر الدعوة والدفاع عنها، كما أن الإسلام فى أول ظهوره وجد الغناء بصورة غير مرضية تمارسه (الجواري) وكان يؤدى فى مجالس اللهو والشراب حيث العبث والضياع والمجون، لذا لم يكن من السهل على الدين الجديد أن يتقبل الغناء بالصورة الماضية التى كان عليها وحتى الغناء الدينى الذى كان منتشرا بين النصارى واليهود لم يتقبله الإسلام.. لما كان فيه من اتجاه إلى عدم الاعتراف بوحدانية الله، وقد أذن الرسول لبلال بن رباح أن يؤذن للصلاة بصوت جميل.

وفى رواية أن الإمام الشافعى كان فى صحبة صديقه (إبراهيم بن إسماعيل) ومرا على دار قوم تغنيهم جارية بصوت مبدع حسن فقال الشافعى لصاحبه «مل بنا نسمع» ودخلا الدار بقصد السماع ولما فرغت الجارية من غنائها قال الإمام الشافعى لصاحبه: أيطربك هذا؟!.. فرد صاحبه: لا، فقال الإمام: ما لك حس.. إذن فقد ختم الإمام حديثه بأن جرد صاحبه من الحس لأنه لم يطرب من الصوت والغناء وقد طرب الإمام نفسه ومن كلام الإمام الشافعى «الطرب عقل وكرم ومن لا يطرب فليس بعاقل ولا كريم».

وروت عائشة رضى الله عنها أن رسول الله سافر سفرا فنذرت جارية من قريش لئن رده الله تعالى أن تضرب فى بيت عائشة بدف فلما رجع الرسول الكريم y جاءت الجارية تريد أن تغنى نذرها فذهبت عائشة لإخبار الرسول y بذلك فقالت: فلانة ابنة فلان نذرت لئن ردد الله تعالى أن تضرب فى بيتى بدف فقال لها «فلتضرب» فلو أن الضرب بالدف وهو آلة من آلات الموسيقى غير مباح لما قبل النبى أن يضرب فى بيته وما كان أن يرضى بارتكاب المحرم فى بيته وهو القائل: «لا نذر فى معصية الله».

وكان النبى يعلم بأداء سيرين - وهى إحدى جواريه - للغناء بصوت جميل ولم ينهها عن ذلك بل أهداها للشاعر حسان بن ثابت.

ويؤثر عن الشيخ حسن العطاء، أحد شيوخ الأزهر فى القرن الثالث عشر الهجرى أنه كان ذا ولع شديد بالسماع وعلى معرفة تامة بأصوله، وكان الشيخ محمود شلتوت وهو أحد شيوخ الأزهر أيضا يرى أن سماع الآلة ذات النغمات والأصوات الجميلة لا يمكن أن يحرم باعتباره آلة أو صوت إنسان أو صوت حيوان، إنما يحرم إذا استعين به على محرم أو اتخذ وسيلة إلى محرم أو ألهى عن واجب.

أما الفريق الذى يكره الغناء والموسيقى فقد استند إلى عدة نصوص قرآنية مثل: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ»، وأيضا إلى آية فى سورة الفرقان تقول: «وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً»، ويقول العلى القدير أيضا: «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ».. وأخيرًا قوله تعالى: «وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً»، هذه هى الأدلة واختلفوا تفسيرهم لكلمتى اللهو واللغو فقال البعض إن المقصود بها هو الغناء، وقال فريق آخر إن المقصود هو الشتم والأذى ثم يفسرهما الرأى الأخير بالحلف الكاذب.. وهكذا إن عدم اتفاق المفسرين على معنى واحد لكلمتى اللهو واللغو يشكك فى أن المقصود منهما هو الغناء.
تلحين «أسماء الله» للأطفال.

ومن أبرز المفاجآت التى قدمتها الباحثة د. سهير عبد العظيم هى تلك التجربة الميدانية التى أجرتها فى إحدى المدارس بعد أن لاحظت الباحثة أن أسماء الله الحسنى لم توضع ضمن البرامج الدينية المقررة على الأطفال فى مراحل التعليم المختلفة، وكان هدف التجربة إثبات أن الموسيقى عامل أساسى فى مساعدة الطفل على سرعة الاستيعاب والحفظ معا وتم اختبار المدرسة التجريبية للبنات بالزمالك وهى تضم المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية لاختيار أى سن أنسب لتحفيظ الأطفال وتلقينهم المعلومات الدينية وقامت الباحثة بتلحين أسماء الله الحسنى وتقديمها للتلاميذ فكانت المفاجأة إن أتم جميع التلاميذ حفظها فى 12 حصة فقط، وأصبح الأطفال يرددون أسماء الله الحسنى ولحنها يوميا فى طابور الصباح وفى صورة جماعية رائعة بعد تلاوة القرآن مباشرة تعبيرًا عن فرحتهم بهذه الإضافة القيّمة لمعلوماتهم الفكرية والموسيقية وثبتت قابلية مختلف الأعمار لتقبل المعلومة الدينية فى هذه الصورة المحببة إلى قلوبهم.

وتقول الباحثة: ولذلك فإنى أوصيت فى ختام رسالتى بوضع أغان تمجد المعانى الدينية التى تشكل حياة سليمة بأسلوب يقترب من المعانى التى وردت فى الآيات الشريفة والأحاديث النبوية وطالبت بإعطاء معلومات مختلف المواد الدراسية بصورة ملحنة.

نشر بمجلة أكتوبر في يونيو 1978م – 1398هـ

أضف تعليق