مصر واحة للأمن والأمان العربي

مصر واحة للأمن والأمان العربيعبد الباسط إدريس

الرأى30-6-2024 | 17:02

زرت مصر في مرات عديدة، مستمتعا بجمالها ورياضها الوارفة.. وألحانها وأنغامها الشجية الطروبة.. ونهلت ما تيسر من علوم ودورات تدريبية وأصدقاء ومعارف هم زادي واعتزازي.

لكنني أزور مصر في هذه المرة طريدا ينشد الأمن والأمان بصحة زغب حواصل أصبحوا بلا مأوي، بفعل الحرب التي تدور رحاها ويشتد أوارها في بلادنا (المغدورة).

في هذه المرة، تحولت مصر إلي معسكرات مفتوحة للجوء، لكثير من المهجرين من أوطانهم قسريا، بفعل الحروب وانفراط عقد الأمن، مدن وأحياء وطرقات بأكملها تعج بأبناء السودان ، فلسلطين ، سوريا والعراق والصومال و(9) ملايين أجنبي ومئات الآلاف من اللاجئين الجدد، من الذين اتخذوا من مصر ملاذا آمنا ومن شعبها سندا ومتكأ.

هذه المقدمة ضرورية، لنعرف كيف أفلتت مصر من سيناريو التمزق الذي يهدد جوارها، فثمة خيط رفيع ما بين القضايا المطلبية العادلة عبر المسيرة الطويلة للشعوب، بحثا عن غد أفضل و حياة كريمة ، وبين الثورات الملونة التي تمتطي ظهر تلك المطالب والقضايا فاتحة الباب لأجندة خارجية تلقي في نهاية المطاف بالدول وشعوبها في غيابات التيه والظلام علي النحو الذي نعيشه ونراه اليوم.

الباحثون عن الأمن هبطوا مصر فوجدوا ما سألوا عنه.. علي الواقع، لم يتضجر شعبها ولم تنصب لهم الدولة المصرية معسكرات للجوء أو تتخذ من معاناتهم عناوين خادعة للتكسب، بل فتحت لهم حدودها وحاراتها وحضنها العربي الكبير.

نعم ألقت رحلة البحث عن الأمن بظلال ضاغطة علي مصر ولكنها احتملت حاضر هذه المخاطر بشراء المستقبل، المستقبل الذي يجعل منها ومن مواقف شعبها مصدر إلهام وفخر لسير ومرويات وتاريخ تتدارسه الأجيال العربية جيلا بعد جيل، ويستدل به كل باحث منصف لعكس قيم الإنسانية ومعاني الأخوة والتضامن.

ما تعيشه مصر من أمن وتنمية وازدهار، ليس من محاسن الصدف ولكنه نتاج جهد تكاملي بين الشعب ومؤسساته، فعقب ثورتي يناير ويونيو، وانهيار الدول من حوله، أدرك الشعب المصري بوعي وحصافة، أن الأمن والاستقرار، هو السلعة الأغلي في عالم اليوم، بل إنها السلعة الأكثر أهمية حتي من الخبز، ومن لم يتذوق مرارة انعدام الأمن، يتلقي الآن دروسا مجانية من أولئك الذين يمشون بينهم في الأحياء والطرقات، تحكي أحوالهم عن كيف كانوا وأين هم الآن.

من الناحية الأخري، تتجسد قيمة الأمن والازدهار الذي تعيشه مصر، من منطلق الفهم الصحيح، لمقاصد التغيير، من قبل مؤسسات الدولة المصرية، لقد أنجز الشعب المصري ثورتين في وقت وجيز كانت كل واحدة منهما كفيلة بذهاب الدولة بلا رجعة، لولا الاستيعاب العميق والقدرة المدهشة لمؤسساتها الوطنية في جعل مطالب الشعب خطط وبرامج عملية تهتدي بها الدولة، في طريق الأمن والتنمية والتطور، كان هذا التحدي الأكثر أهمية والعامل الحاسم الذي تمكنت من خلاله القيادة المصرية، من الإبحار بسفينة البلاد إلي بر الآمان، وأذكر في هذا الجانب أنني وخلال مشاركتي في الدورة التدريبية التي نظمها اتحاد الصحفيين الإفريقيين، بالتعاون مع الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون المصري، قد التقيت صدفة بوزير الدفاع الأسبق المشير الراحل طنطاوي، وقلت له إن التاريخ سيذكر كيف حافظ الجيش المصري علي بلاده من التفتت والانهيار من خلال قيادة حكيمة ورؤية مبصرة.. أما العامل الآخر المكمل تمثل في المزاوجة بين مكانة مصر العالمية وتأثرها بالأحداث فيها ومن حولها، وتأثيرها عليها وبين الحفاظ علي سيادتها وإغلاق أبوابها في وجه التدخلات الخارجية السالبة، وبهذا حافظت علي الثورة وحازت رضا شعبها وثقته وتمكنت من تصميم السياسات التي تخدم تطلعاته وتلبي مطالبه.

تجسد ذلك في إنجازات غير مسبوقة، عقب ثورة يونيو ، قياسا بعامل الوقت ومحدودية الموارد، لقد أنجزت مصر مشروع قناة السويس الثانية في عام واحد واستخرجت الغاز المسال وتعمل علي إكمال محطة الضبعة للطاقة النووية، أحدثت ثورة في مخاطبة قضايا الريف في الصحة والتعليم والمساكن وتبطين القنوات الزراعية وثورة أخري في مجال الطرق والكباري والأنفاق وقامت بتحديث السكة الحديد وأسطولها العسكري البحري والجوي، فضلا عن جذب مليارات الدولارات الاستثمارية وفتح آلاف الوظائف وتعزيز واتساع منظومة الحماية الاجتماعية للشرائح الأقل دخلا، ويظل هذا كله والذي لم يذكر أقل بكثير مما يطمح له الشعب، وهذا ما يمكن لأي زائر أو لاجئ ومقيم ملاحظته، ف الشعب المصري طموح تسبق رغبته خطواته في بلوغ العالمية والأخذ بمسبباتها لخوض جولاتها التنافسية، تساعده علي ذلك بيئة داخلية أضحت مهيئة الآن أكثر من أي وقت مضي، ويعينه تاريخ وحضارة ضاربة الجذور ونجاحات وإشراقات في شتي المجالات.

وإن اتفق أهل مصر علي وجود قضايا وتحديات حقيقية ومعيشية تواجههم إلا أنهم أكثر إدراكا بأنهم يسيرون في الاتجاه الصحيح، ومهما اختلفوا في مقارنة وتقييم ما أنجزوه إلا أنهم بلا أدني شك يتفقون علي أن كلمة السر في الحياة والأحلام هي نعمة الأمن والأمان.

حفظ الله مصر وأنار طريق بنيها نحو المجد والتقدم والازدهار .

أضف تعليق

إعلان آراك 2