عاطف عبد الغنى يكتب : فى «فيلا» المقطم (1 من 2)

عاطف عبد الغنى يكتب : فى «فيلا» المقطم (1 من 2)عاطف عبد الغنى يكتب : فى «فيلا» المقطم (1 من 2)

* عاجل23-11-2018 | 15:27

السجال الدائر الآن على الساحة يبدو وكأنه سعى من البعض لإعادة اكتشاف الدين، وهذا بالطبع خطأ كبير، ويصح أن نقول إن التجديد لايكون فى الدين، ولكن فى الفكر الدينى، وهذا ينقلنا إلى السؤال التالى:
 هل السُنّة النبوية تنتمى إلى الدين أم إلى الفكر الدينى؟! وماذا يترتب على تصنيفها؟ والإجابة إذا كانت تنتمى إلى الدين الذى حسمه الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ما يزيد على 14 قرنًا فلا جدال ولا مراء فيها، وإن كانت تدخل فى باب الفكر الدينى فيمكن أن تخضع لما يخضع له الفكر من فحص، وتجديد، وحذف، وإضافة، فجمعها فى الصورة التى وصلتنا عليها كان جهد بشرى.
لكن انتبه الإجابة السابقة لها تكملة وهى أن السُنّة لا تؤخذ جملة واحدة ولا يتم التعامل معها على أنها كتلة واحدة، فهناك السُنّة القولية الشفهية (الحديث الشريف وفيها أحاديث الآحاد، والأحاديث المتواترة بسند )، وهناك السُنّة العملية المتواترة، والخــوض فى تفاصيــل ما سبق يدخل فى بند المسائل الفنية التى يجب تركها لأهل الاختصاص والعلم، ولا اجتهاد فيها للعوام، والتاريخ الإسلامى لم يخلُ من هؤلاء الرجال، وعلم الرجال، لكن التاريخ أيضا لم يخلُ من الأفّاقين والمغامرين والباحثين عن الشهرة، والعملاء الذين سعوا إلى ذلك من خلال العبث فى الدين بدعوى الإصلاح أو التجديد.
(1)
فى بدايات عملى بالصحافة كنت شغوفًا أن أكتشف هذا العالم الذى عرّفنى عليه أحد الأصدقاء، كنت أصطحبه فى سيارته كل يوم إثنين من كل أسبوع ونصعد جبل المقطم لنحضر ندوة رواق ابن خلدون لصاحبها د. سعد الدين إبراهيم، رأيت هناك خليطًا من الأعمار والمهن، نساء ورجالًا، وكان الرواق يناقش فى ندواته موضوعات مختلفة والمسئول عنه وعن إدارة جلساته المدعو أحمد صبحى منصور، وعرفت أنه دكتور مفصول من جامعة الأزهر، لآرائه الشاذة، وشطحاته، وقد احتضنه سعد الدين إبراهيم وولديه الشابَّين، وأوكل إليهم إدارة الرواق التابع لمركز ابن خلدون.
فى الرواق عرفت جماعة أطلقت على نفسها اسم «القرآنيون»، ومن بعض الأسئلة والمناقشات والكتيبات التى كانت توزع على الحضور عرفت أنهم يعدون أنفسهم تلاميذ صبحى منصور، ونظيره جمال البنا الذى احتضنه أيضا سعد الدين إبراهيم وقدمه للأمريكان الذين كانوا يزورون فيلا المقطم، لأسباب انتهت إلى أحداث الربيع العربى.
واُطلعت على فكر «القرآنيون» وكتبت فيما بعد فى جريدة كانت تصدر باسم «الجيل» تقريرًا عن الجماعة حذرت فيه من خطورة هذا الفكر والتوجه، وأظن أنى كنت الأول الذى فتحت هذا الملف فى هذا التاريخ.
وقد رأيت أن طرح «القرآنيون» فيما يخص السُنّة النبوية، بدعة وحسبت أنها اختراع صبحى منصور الذى هرب فيما بعد إلى أمريكا هو وولداه طالبين اللجوء وتم توظيف ثلاثتهم كلِّ في مهمة، الولدان انضما لمؤسسات هدم الدولة المصرية «فريدوم هاوس»، التى تولت تجنيد وتدريب الشباب فى دول الثورات الملونة فى شرق أوروبا على أعمال التحريض وقيادة المظاهرات وباقى ما عرفناه فى أحداث يناير، وأما الأب فقد واصل من أمريكا مهمته فيما يخص حربه على الرسول صلى الله عليه وسلم وسُنّته وسيرته محاولا تغليف حقده الظاهر وطعنه المؤثم بغلاف الاجتهاد العلمى.
(2)
وكما أسلفت كنت أظن أن أحمد صبحى منصور هو المبتدع الأول لمسألة إنكار السُنّة جملة وتفصيلاً، واستبعادها تحديدًا من دائرة التشريع والإحكام، لكن حديث فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر خلال الاحتفال بالمولد النبوى الشريف نبّهنى إلى أن هناك من سبقوا منصور فى هذا، وأن منشأ الظاهرة كان فى الهند نهاية القرن التاسع عشر، وأن هذه الدعوة التى شاركت فيها شخصيات متعددة انتهى الأمر ببعضهم إلى ادعاء النبوة.
.. لم يشأ شيخ الأزهر أن يشير بالتحديد إلى عقائد مثل القاديانية والبهائية التى ابتدعها البعض واحتضنها الاستعمار منذ نشأتها وساعد على نشرها والترويج لها وحماية ومساندة الأفّاقين وشواذ البشر من زعمائها والإغداق عليهم بالمال حتى يجمعوا حولهم الأتباع ويكثر عددهم وتأثيرهم المضاد لمصالح أمة الإسلام (فى دينها ودنياها) والتى خضع أكثر بلدانها للاستعمار.
(3)
وفى كلمته أشار فضيلة الإمام الأكبر إلى هذا الطبيب الذى كان يخدم فى سجن طرة ونشر مقالتين فى مجلة «المنار» عام 1906، 1907 بعنوان: «الإسلام هو القرآن وحده».
وأضاف فضيلة الإمام الأكبر أن الفكرة لقيت دعمًا من بعض الكُتّاب المتربصين بالسُنّة النبوية والمنكرين لها.
وما قاله فضيلته وأكد عليه حقيقة نراها بأعيننا إلى اليوم، فأمثال هؤلاء موجودون فى كل زمان ومكان، ولهم موقف من الدين كله وليس السُنّة النبوية فقط، وأكثرهم يرى أن الدين هو أهم أسباب تخلف الأمة عن اللحاق بركب التقدم والحداثة، واندفاع هؤلاء فى معاداة الدين أعماهم عن مركزية الدين ( الإسلام ومسيحية الشرق ) كمكون من مكونات الثقافة والهوية العربية والمصرية، وأحد أهم أسس الأمن القومى فى معركة الأمة كلها ضد الاستعمار والصهيونية.
(4)
المدهش أنه إذا اطلعت على أقوال وكتابات، بعض منكرى السُنّة فسوف تكتشف أنهم يحتجون بالسُنّة نفسها لإثبات صحة كلامهم.
وكمثال فالشخص الذى لفت الإمام الأكبر الانتباه إليه، ولم يذكر اسمه، ولكن ذكر شيئا عن مقالتيه فى إنكار السنة، جاء فى إحدى مقالتيه الآتى:
«سأل بعض الصحابة النبى صلى الله عليه وسلم: (هل يجب الوضوء من القيء؟) فأجاب عليه الصلاة والسلام: (لو كان واجبًا لوجدته فى كتاب الله تعالى).» وأضاف: « فهذا الحديث صح أو لم يصح، فالعقل يشهد له ويوافق عليه وكان يجب أن يكون مبدأ للمسلمين لا يحيدون عنه».
 انتهى الاقتباس من مقال منكر السُنّة الذى يلجأ إلى حديث فى السُنّة ليحتج به على إنكارها.. لقد أعماه الله على أن يبصر الخطأ المنهجى الذى وقع فيه ومثله كثيرون لأنهم لا يجتهدون لنصرة الدين ولكن لهدمه.. وهدم الدين هدمٌ للأمة.
وللحديث بقية
أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2