د.عزة بدر تكتب لـ «دار المعارف» : على مقربة منه (قصة قصيرة)
د.عزة بدر تكتب لـ «دار المعارف» : على مقربة منه (قصة قصيرة)
طوَّحت بشعرها يمينا ويسارا , تخللت بأصابعها موجات الخصلات , تحننتها فبدت كتيجان من ريش , انحنت فاندفع شلال شعرها إلى الأمام وكأنها تؤدى رقصة لتحية المرآة , استقامت وفردت طولها .
رفعت زجاجة طلاء الأظافرأمام عينيها , تقارن بين لون شعرها الأحمر ودرجة لون الطلاء , تقاربهما , يقبَّل شعرها أطراف الزجاجة .
تقوم وتقعد وبيدها علبة صبغة الشعر, تقرأ ماكتب عليها بالفرنسية .
تبتسم للصورالمرسومة على العلبة ( عناق كرزة وتفاحة وأحمر شفاه وشمعة ) ! , لكن
الضجر الذى يسبقها إلى عتبة الباب يرمق لون شفتيها بنظرة خاطفة , ويمضى إلى شأنه .
تتطلع إلى شعرها فى مرآة المصعد , تبتسم , اعتادت صمته , واعتادت احتفالها وحدها بنفسها , و بتفاصيلها .
تأملت الشارع الطويل الذى تقطعه دائما وحدها , لا تذكر أبدا أن أيديهما تشابكت وهما يسيران فيه , يتباعد جسماهما , وظلهما , تتفرق نقاط تلاقى الضوء , والعتمة .
صعدت إلى الباص , جلست بجانب الشباك , تناهى إليها صوت طفلة صغيرة تحدق فى خصلات شعرها بانبهار , وعلى مقربة منها كان أبوها يتطلع إلى حيث تشير.
- بابا , هو فيه شعر أحمر ؟ !
- طبعا فيه !
- طيب أنا عايزة لما أكبر يكون شعرى أحمر , يارب يكون شعرى أحمر
سمعت صوت ضحكته , وصوت الصغيرة , وصوت دعائها .
تخللت أصابعها موجات شعرها , تفرده على كتفيها ثم تمسده برفق , تخشى لو التفتت أن تفقد
لحظات اهتمامهما بها , كانت تود أن تتمتع بهذا الاهتمام لأطول وقت ممكن .
تستعيد نظرته فى الصباح , وهو يرمق شفتيها بنظرة خاطفة ثم يمضى إلى شأنه , يفصل بينهما الشارع الطويل .
ينبعث صوت الأب لافتا وقامعا ومحذرا .
تتراجع يد الطفلة , وتترك لها خصلات شعرها بعد أن لامسته بشغف , خبت حرارة لمساتها إلا أن صوتها مازال يتردد فى الباص بلوبعد أن نزلت منه , ظل صوت الطفلة يتردد فى الدنيا كلها محتفلا بها الوجود كله يردد , ويتناهى إليها صوته " يارب يكون شعرى أحمر " , وصوت الطفلة التى تود أن تحيا على مقربة منه .
تخللت خصلاتها بأصابعها , وابتسمت , عانقت الكرز ة والتفاحة وأحمر الشفاه والشمعة , ولوحت بيدها للطفلة الصغيرة التى التصق وجهها بزجاج الحافلة , وتبدت ملامحها حلوة مشرقة وهى ترنو إليها
فى شغف .