رأت صحيفة "واشنطن بوست" أن فرنسا تتوجه إلى منطقة سياسية مجهولة بعد هزيمة أحزاب اليمين المتطرف في الانتخابات البرلمانية، لكن تظل المقاعد التي حصل عليها التحالف اليساري غير كافية لحكم الأغلبية، ما يخلق انقساما عميقا في السلطة التشريعية للبلاد قد تخلف تداعيات سياسية غير متوقعة.
وسلطت "واشنطن بوست" الضوء على نتيجة الانتخابات الفرنسية، مشيرة إلى أنه رغم احتفال أنصار اليسار بالهزيمة غير المتوقعة لليمين المتطرف، فإن الاهتمام تحول، الاثنين، إلى المهمة الصعبة المتمثلة في كيفية حكم بلد منقسم بشدة.
وقالت الصحيفة أنه رغم فوز تحالف الأحزاب اليسارية بأكبر عدد من مقاعد البرلمان، أكثر من 180 مقعدا، فإنه مازال بعيدا عن النسبة اللازمة لتحقيق الأغلبية، والتي تتطلب الفوز في 289 مقعدا ، وحصل ائتلاف "معًا" الوسطي الذي يتزعمه الرئيس إيمانويل ماكرون على أكثر من 160 مقعدا، بينما حصل حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف وحلفاؤه على 143 مقعدا، على عكس توقعات استطلاعات الرأي التي أظهرت فوز اليمين المتطرف بأكبر عدد من المقاعد، بل وتوقعت بعض الاستطلاعات فوزهم بأغلبية مطلقة.
وتعليقا على النتيجة غير المتوقعة للانتخابات، قال رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال، ليلة الأحد، إن النتيجة المفاجئة قد تؤدي الآن إلى جمود سياسي طويل الأمد و"حقبة جديدة" في السياسة الفرنسية، ورفض ماكرون استقالة أتال، الاثنين، مطالبا ببقائه "في الوقت الحالي من أجل ضمان استقرار البلاد".
وأضافت أن قبضة ماكرون على السياسة الداخلية كانت قد بدأت تضعف سريعًا بعد نتائج الجولة الأولى من الانتخابات، عندما تكبد حزبه خسائر كبيرة، لكن النتيجة غير المتوقعة للجولة الأخيرة تعيد ماكرون إلى قلب اللعبة السياسية في فرنسا، حتى إذا كان لفترة محدودة فقط.
ويتعين الآن على ماكرون، الذي لا يزال من المتوقع أن يحضر قمة الناتو في واشنطن هذا الأسبوع، أن يقرر من سيكون رئيس الوزراء المقبل، لكن التحالف الذي قامت أحزاب اليسار بتشكيله قبيل الانتخابات لمنع فوز اليمين المتطرف قد يحتاج إلى دعم بعض حلفاء ماكرون على الأقل، إلا أنهم غير مرحبين بالتفاوض مع حزب ماكرون من الأساس، وفقا لتصريح المتحدث باسم الكتلة اليسارية جان لوك ميلينشون.
ويلعب الفوز المفاجئ لليسار دورًا في الانقسامات، حيث قال السكرتير الأول للحزب الاشتراكي (يسار الوسط) أوليفييه فور، اليوم الاثنين، إن التحالف سيقترح مرشحه لمنصب رئيس الوزراء في الأيام المقبلة، لكن فوزهم المفاجئ فاجأ حتى الزعماء اليساريين، لذلك فإن البحث عن مرشح مشترك قد يؤدي إلى تعميق الانقسامات أو حتى تفكك الائتلاف الهش، وفقا للصحيفة.
ونقلت "واشنطن بوست" عن خبير السياسة الفرنسية بيير ماثيو، أن انقسام مقاعد الجمعية الوطنية إلى كتل متعددة بتوجهات سياسية مختلفة مع عدم وجود طريق واضح لتحقيق الأغلبية قد يمنح ماكرون مجالاً للمناورة، ويمكن أن يحاول ترشيح شخص معتدل كرئيس للوزراء.
وحذر ماثيو من أنه سيكون من الخطأ الافتراض أن المقامرة التي أقدم عليها بالدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة قد آتت ثمارها، موضحا أن "هذا وضع غير مسبوق في فرنسا.. وحتى الآن يبدو أن البديل الوحيد لائتلاف يساري هش للغاية هو تبني تحالف سياسي واسع وهو مثال شائع في أماكن أخرى من أوروبا، لكنه يتعارض مع الثقافة السياسية الفرنسية".
وأوضح ماثيو إن تشكيل ائتلاف واسع يشمل كافة الأطياف السياسية قد يكون "على المدى القصير وسيلة لحكم فرنسا"، لكن على المدى المتوسط، فإنه قد يؤدي إلى "تسليم السلطة إلى (الزعيمة اليمينية المتطرفة) مارين لوبان في 2027"، وهو بالضبط ما حاول ماكرون منعه عندما دعا إلى إجراء انتخابات الشهر الماضي، في أعقاب فوز اليمين المتطرف الفرنسي في الانتخابات البرلمانية الأوروبية.
ولفتت الصحيفة إلى أن ماكرون يبدو أنه كان على حق بشأن كيفية استجابة الجمهور لاحتمال تشكيل أول حكومة يمينية متطرفة في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية، لكن يبدو أيضا أنه قلل من انجذاب الجمهور العام إلى اليسار، وهو ما أدى إلى حصولهم على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان.