ألمانيا و النرويج نموذجان.. سيناريوهات تاريخية تمهد طريق أوكرانيا لعضوية الناتو

ألمانيا و النرويج نموذجان.. سيناريوهات تاريخية تمهد طريق أوكرانيا لعضوية الناتوألمانيا والنرويج نموذجان.. سيناريوهات تاريخية تمهد طريق أوكرانيا لعضوية الناتو

عرب وعالم11-7-2024 | 09:06

في خضم الحرب الدائرة في أوكرانيا والجدل المستمر حول انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي ( الناتو )، طرح تحليل جديد نشرته مجلة "فورين أفيرز" رؤية مغايرة لكيفية تحقيق هذا الهدف، إذ يقترح مسارات بديلة قد تمكن كييف من الانضمام إلى الحلف العسكري في المستقبل القريب، رغم استمرار الصراع وانقسام أراضيها، مستندة إلى نماذج تاريخية تطرح حلولًا عملية لمعضلة طال أمدها.

النموذج النرويجي:

يسلط تحليل "فورين أفيرز" الضوء على تجربة النرويج عند انضمامها للناتو قبل 75 عامًا كنموذج محتمل لأوكرانيا، إذ واجهت أوسلو، التي كانت تشترك في حدود طويلة مع الاتحاد السوفييتي آنذاك، معضلة مشابهة لما تواجهه أوكرانيا اليوم، تتمثل في إيجاد كيفية تحقق مستهدفها بالانضمام إلى التحالف الغربي دون استفزاز جارتها.

وكان الحل كما أشارت الصحيفة الذي توصلت إليه أوسلو مبتكرًا ومرنًا، إذ أصدرت الحكومة النرويجية إعلانًا من جانب واحد قبل انضمامها للناتو، تعهدت فيه بعدم السماح بإقامة قواعد عسكرية أجنبية دائمة على أراضيها في أوقات السلم.

كما فرضت قيودًا مماثلة على نشر الأسلحة النووية، وهذه الخطوة الذكية مكنت النرويج من الانضمام للحلف مع تهدئة المخاوف السوفييتية في الوقت نفسه.

ويرى التحليل أن هذا النموذج قد يكون مناسبًا ل أوكرانيا بشكل خاص، إذ يمكن لكييف أن تقدم ضمانات مماثلة بشأن عدم نشر بنية تحتية عسكرية معينة للناتو على أراضيها، مع الاحتفاظ بحق تغيير هذا الموقف إذا تعرضت لتهديد.

وتشير المجلة إلى أن روسيا أبدت في مفاوضات سابقة اهتمامًا أكبر بالحد من توسع البنية التحتية العسكرية للناتو أكثر من توسع عضويته، ما قد يجعل هذا الحل مقبولًا نسبيًا في موسكو.

الدرس الألماني:

في جزء آخر مثير للاهتمام، استحضر تحليل "فورين أفيرز" تجربة ألمانيا الغربية التي انضمت إلى الناتو عام 1955 رغم انقسام البلاد.

هذا النموذج، وفقًا للتحليل، قد يكون الأكثر صلة بالوضع الأوكراني الراهن، فقد تمكنت ألمانيا الغربية من الانضمام إلى الناتو رغم عدم سيطرتها على كامل الأراضي الألمانية، وذلك من خلال تبني استراتيجية "الحدود المؤقتة"، إذ أعلنت "بون" أن الحدود القائمة آنذاك هي حدود مؤقتة، مع الاحتفاظ بحق المطالبة بتوحيد ألمانيا في المستقبل.

ومكّن هذا النهج ألمانيا الغربية من الانضمام للحلف دون التخلي عن مطالبها التاريخية.

واقترح التحليل أن تتبنى أوكرانيا استراتيجية مماثلة، فيمكن لكييف أن تحدد حدودًا "مؤقتة" قابلة للدفاع عسكريًا، تشمل الأراضي التي تسيطر عليها حاليًا، مع الإعلان صراحة أن هذه الحدود ليست نهائية، وأنها تحتفظ بحقها في استعادة أراضيها كاملة مستقبلًا.

وهذا النهج -رغم صعوبته السياسية والنفسية- قد يمكّن أوكرانيا من الحصول على ضمانات أمنية فورية لمعظم أراضيها، بدلًا من الانتظار لسنوات دون حماية حقيقية، كما يشير التحليل إلى أن عضوية الناتو قد تساعد أوكرانيا على تحقيق نهضة اقتصادية وديمقراطية مماثلة لما حققته ألمانيا الغربية بعد انضمامها للحلف.

خطة طموح:

واقترح تحليل "فورين أفيرز" خطة عمل جريئة لتمهيد طريق أوكرانيا نحو عضوية الناتو، تتضمن الخطة ثلاث خطوات رئيسية، أولها تحديد حدود مؤقتة قابلة للدفاع عسكريًا تفصل بين الأراضي التي تسيطر عليها كييف وتلك الخاضعة للسيطرة الروسية.

وتتضمن الخطوة الثانية للخطة، فرض قيود ذاتية على البنية التحتية العسكرية في أراضيها، مستوحاة من النموذج النرويجي، مع الاحتفاظ بحق مراجعة هذا الموقف عند الضرورة، أما ثالث الخطوات فتكون التعهد بعدم استخدام القوة العسكرية خارج هذه الحدود المؤقتة إلا للدفاع عن النفس.

والهدف النهائي -وفقًا للمقال- هو تمهيد الطريق لانضمام أوكرانيا إلى الحلف في أقرب وقت ممكن، ربما حتى قبل يناير 2025، وهو موعد قد يكون حاسمًا في ضوء التطورات السياسية المحتملة في الولايات المتحدة وأوروبا.

تحديات وانتقادات:

لم يغفل تحليل "فورين أفيرز" التحديات الهائلة والانتقادات المحتملة التي قد تواجه هذا المقترح، فالمقال يعترف بوجود عقبات كبيرة تعترض طريق تنفيذ هذه الخطة، بدءًا من الصعوبات السياسية الداخلية في الدول الأعضاء بحلف الناتو .

موافقة جميع الأعضاء، بما في ذلك الحصول على تصديق مجلس الشيوخ الأمريكي ، تبدو مهمة شاقة في ظل الانقسامات السياسية الحادة التي تشهدها العديد من الدول الغربية حاليًا.

كما يتوقع التحليل معارضة روسية شرسة لأي خطوة تقرب أوكرانيا من الناتو ، ما قد يؤدي إلى تصعيد عسكري خطير.

على الصعيد الداخلي الأوكراني، قد يواجه صناع القرار في كييف صعوبة بالغة في إقناع الشعب بقبول فكرة الانقسام المؤقت للبلاد، حتى لو كان ذلك ثمنًا لضمانات أمنية قوية.

إضافة إلى ذلك، يشير المقال إلى التحديات اللوجستية والعسكرية الهائلة التي ستواجه حماية أوكرانيا خلال عملية الانضمام، خاصة إذا قررت روسيا تصعيد عملياتها العسكرية ردًا على هذه الخطوة.

التفكير خارج الصندوق:

واختتم تحليل "فورين أفيرز" برسالة واضحة: "الوقت ينفد أمام أوكرانيا ، والخيارات التقليدية قد لا تكون كافية.. وهو ما يدعو إلى ضرورة النظر في جميع الخيارات، حتى تلك غير المثالية أو غير التقليدية، لضمان أمن أوكرانيا على المدى الطويل".

ويرى أن هذا المسار، رغم صعوبته وما قد يثيره من جدل، قد يكون أفضل بكثير من الانتظار حتى تتخلى روسيا عن طموحاتها في أوكرانيا، وهو أمر قد لا يحدث في المستقبل المنظور أو حتى تحقق موسكو اختراقًا عسكريًا حاسمًا يغير قواعد اللعبة.

أضف تعليق