ما ينبغى أن نقوله فى البداية هو إن قانون تعيين رؤساء الهيئات القضائية - قبل التعديل - كان يتيح للرئيس اختيار رؤساء الهيئات بنفسه، من بين أقدم نواب "الهيئات" دون ترشيح من القضاة، وهو ما يعنى أن التعديلات الجديدة قيدت حق رئيس الجمهورية، ومنحت القضاة حق اختيار ثلاثة من بين أقدم سبعة، على أن يختار الرئيس يختار واحد من هؤلاء الثلاثة.
ولا تتعارض مواد الدستور مع التعديلات التى وضعها مجلس النواب على القانون فمن حق رئيس الجمهورية تعيين القضاة بالطريقة التى ينظمها القانون.
وإذا كان التدخل فى شئون العدالة أو القضايا، جريمة لا تسقط بالتقادم" فالتدخل فى اختيار من يطبق العدالة و يحكم فى القضايا، ليس بجريمة، وقد جاء فى الدستور: " تقوم كل جهة، أو هيئة قضائية على شئونها" حسنا .. ولكن عندما تتشكل هذه الجهة أو الهيئة طبقا للقانون، ساعتها تقوم على شئونها، أما تشكيلها و تعييناتها فمن اختصاص من يحدده القانون، وأما من ناحية "ويؤخذ رأيها فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها" ، وأخذ رأي القضاة لا يلزم البرلمان بالعمل بهذا الرأى، خاصة فى الأمور غير المتعلقه بفنيات المهنة، وإذا أراد الدستور الالتزام برأيها لجاء فى نصه: "بعد موافقتها"
وقد نص مشروع تعديل القانون على أن يستبدل بنص الفقرة الثانية من المادة (44) من قانون السلطة القضائية، أن يٌعين رئيس محكمة النقض بقرار من رئيس الجمهورية من بين 3 من نوابه يرشحهم مجلس القضاء الأعلى من بين أقدم سبعة من نواب رئيس المحكمة، لمدة 4 سنوات أو المدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أٌقرب، ولمرة واحدة طوال مدة عمله، ويجب إبلاغ رئيس الجمهورية بأسماء المرشحين قبل نهاية مدة رئيس المحكمة بستين يوما على الأٌقل، وفى حالة عدم تسمية المرشحين قبل انتهاء الأجل المذكور فى الفقرة السابق، أو ترشيح عدد يقل عن ثلاثة أو ترشح من لا تنطبق عليه الضوابط المذكورة فى الفقرة الثانية، يعين رئيس الجمهورية رئيس المحكمة من بين أقدم سبعة من نواب رئيس المحكمة.
وهو نفس الحال بالنسبة لتعديل المادة 83 من قانون مجلس الدولة والمادة 35 من قانون هيئة النيابة الإدارية، والمادة 16 من قانون هيئة قضايا الدولة.
والنص الحالى المعمول به فى قانون السلطة القضائية فينص فى المادة (44) من القانون رقم 46 لسنة 1972على الآتى:
"يكون شغل الوظائف القضائية سواء بالتعيين أو بالترقية بقرار من رئيس الجمهورية، ويعين رئيس محكمة النقض من بين نواب الرئيس وبعد أخذ رأى مجلس القضاء الأعلى".
ورغم أن المادة لم تنص صراحة على اختيار رئيس محكمة النقض من أقدم نواب رئيس المحكمة - النائب الأول – إلا أن العرف جرى بين القضاة على اختياره طبقا للأقدمية.
والسادة القضاة يرفضون مشروع القانون الجديد لأسباب منها:
إن القضاة ينظرون للقانون على أنه يمثل اعتداءا صارخا على السلطة القضائية من جانب السلطة التشريعية الممثلة فى البرلمان خاصة بعد تمرير القانون رغم إعلان القضاة رفضهم له وتمسكوا بنص المادة 185 من الدستور فى فقرتها الثانية: "يؤخذ رأي كل جهة وهيئة قضائية فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها"
ويرى القضاة أيضا أن منح رئيس الجمهورية - رأس السلطة التنفيذية - الحق فى اختيار واحد من بين 3 نواب هو اعتداء من جانب السلطة التنفيذية على السلطة القضائية.
ويرون أيضا أن مبدأ الفصل بين السلطات لا يتحقق إلا من خلال اخيار القضاة أنفسهم من يقودهم وليس سلطة أخرى.
وبعتبر القضاة أن المشروع القضاه يعتبرونه إهداراً لمبدأ الأقدمية المقرر كأحد أصول العمل القضائي والذى يضمن أن يكون رئيس الهيئة ليس له ولاء وإنما أقدميته هى التى أتت به كما أن النائب الأول فى جميع الهيئات القضائية هو فى الأساس عضو بالمجالس العليا لهذه الهيئات.
أيضا يرى القضاة فى مشروع تعديلات اختيار رؤساء الهيئات القضائية أن من شأنه أن يحدث انقسامات داخل هذه الهيئات اعتراضا على من الأولى بتولى المنصب.
ويرتكن القضاة فى رفضهم لمشروع القانون الجديد على المواد 5 و94 و139 و184 و185 ، من الدستور، وفيها أن النظام السياسى يقوم على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة، وأن سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة، وأن استقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات، وأن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورئيس السلطة التنفيذية، يرعى مصالح الشعب ويحافظ على استقلال الوطن ووحدة أراضيه وسلامتها، ويلتزم بأحكام الدستور ويُباشر اختصاصاته على النحو المبين به، وأن السلطة القضائية مستقلة، وأن تقوم كل جهة، أو هيئة قضائية على شئونها، ويؤخذ رأيها فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها.
هذا ما ورد بشأن المسألة التى نناقشها هنا فى الدستور، وأؤكد أن مشروع تعديلات القانون لاتتضمن مخالفات دستورية، (حال عرض المشروع فى حال إقراره للطعن عليه دستوريا)،
فالقاضى موظف مثل أى موظف فى الدولة له ماله وعليه ما عليه كبقية موظفين الدولة والجميع يخضع لقوانين الدولة التى تمنحه راتبه.
ورئيس الدولة هو أعلى سلطة فى الدولة، وكل الوظائف القيادية هى مسئوليته بالمقام الأول
ولابد من رقابة الدولة على كل هيئاتها ومنها تعيين رؤسائها وإداره شئونها، والقضاء قطاع عام وليس قطاع خاص، ولابد أن يخضع لرقابة الدولة.
وختاما فمشروع القانون الجديد الذى وافق عليه مجلس النواب، لا يحق لمجلس الدولة رفضه بعد إحالته من جانب البرلمان، ويقتصر دور المجلس فقط على مراجعة صياغته، وتنظم اللائحة الداخلية لمجلس النواب أن مجلس الدولة ملزم بالرد خلال 30 يوما فقط، ولم يعد بيد أى شخص سحب المشروع لأنه بالفعل تم إقراره من جانب البرلمان.