علاقة الإنسان ب الشمس علاقة قديمة جدًا، فلقد رأى فيها الإنسان القديم مصدرًا للحياة، فعندما تختفى تخرج الوحوش الضارية من جحورها ويغلف الكون ظلام رهيب فيأوى الإنسان إلى كهفه، بينما عند ظهورها يشيع الدفء الضياء وتفر الوحوش الضارية أمام بهاء وجلال موكب الحياة القادم مع الفجر.
ثم ازدادت العلاقة بينها واستخدم الإنسان بينها واستخدم الإنسان الحركة الظاهرية للشمس ووضع تقويمًا لتقسيم السنة إلى فصول ومواسم ثم إلى شهور وأيام بل استخدم أيضا حركة الشمس الظاهرية اليومية فى تعيين الوقت وابتكر الساعة الشمسية ، ثم اكتشف الإنسان فى الشمس فوائد أخرى فاستخدم أشعتها وطاقتها فى تجفيف المنتجات الزراعية واللحوم والأسماك واستخدمها كذلك فى الحروب، غير أن العصر الحديث والسنوات الأخيرة منه تشهد اهتمامًا بالغًا ب الشمس و الطاقة الشمسية التى تنبعث منها على نمو لم يحدث مثيل له من قبل بعدما كثر الحديث عن أزمة الطاقة فى العالم ويعتبر المؤتمر العالمى للطاقة الشمسية الذى عقد فى الولايات المتحدة سنة 1954 البداية الجادة لاهتمام العالم ب الشمس كمصدر هائل للطاقة، ثم بدأت البحوث والدراسات لتحديد احتياجات الإنسان من الطاقة.
دورة حرارية شمسية
ومجالات استخدام الطاقة الشمسية واسعة للغاية فيمكن استخدامها فى صورة حرارية مباشرة أو تحويلها إلى طاقة كهربية.. وتوليد الطاقة الكهربية من الطاقة الشمسية له طرق عديدة إلا أن الطريقة المثلى بالنسبة لبلادنا – كما يقول د. إبراهيم صقر رئيس معمل الطاقة الشمسية بالمركز القومى للبحوث – هو ما يعرف بالدورة الحرارية وهى عبارة عن تجميع أشعة الشمس ونقلها إلى سوائل فتمتصها وترتفع درجة حرارتها وتتحول إلى بخار، وهذا البخار يستخدم فى إدارة توربين المولد الكهربى ويعتمد امتصاص الطاقة الشمسية على اختيار أسطح معدنية ذات طلاء أسود من مواد خاصة حتى تمتص حرارة الشمس بأكبر قدر ممكن ويعيد الإشعاع بأقل قدر ممكن وهذا ما يعرف بـ "نظرية الانتخاب"، أما المادة السائلة التى تستخدم فى هذه الدورة الحرارية فهى عبارة عن بعض السوائل العضوية التى تتبخر عند درجات حرارة منخفضة نسبيًا مثل "الفريون".
وقد تم منذ أيام تشغيل أول محطة بالتعاون مع ألمانيا الغربية، تستخدم المسطحات الشمسية والمركزات الشمسية البسيطة التى لا تزيد درجة الحرارة فيها عن 150 درجة مئوية وهذه المحطة لا تحتاج إلى أجهزة معقدة لتنبع حركة الشمس أثناء النهار، إلا أن هذه الطريقة برغم بساطتها نسبيًا تستطيع إنتاج تيار كهربى حتى 20 ألف كيلووات فى السنة ويمكن استخدامها فى المناطق الصحراوية والمستوطنات النائية وتستطيع هذه المحطة سحب نحو 250 ألف متر مكعب من الماء فى السنة.
وهناك طريقة أخرى لتركيز الحرارة بشدة وهى طريقة التركيز العالى ويجرى الآن تنفيذها بدون استعانة بأية خبرة أجنبية وتعتمد هذه الطريقة على مرايا تركب عموديًا على منصة واحدة ذات قاعدة مستديرة يمكنها الدوران حول محور عمودى ويتم توجيه هذه المرايا العاكسة نحو الشمس بصفة دائمة كلما غيرت اتجاها أثناء النهار ثم تنعكس الأشعة من هذه المرايا العمودية على قرص دائرى كبير من المرايا وهذا القرص الدائرى مقعر الشكل ومثبت رأسيًا فيجمع أشعة الشمس فى نقطة البؤرة وتكون درجة الحرارة الناتجة عن هذه الطريقة مرتفعة إلى حد كبير فتبلغ حوالى 400 درجة مئوية ولذلك يمكن أن نستخدم بخار الماء فى هذه الحالة بدلاً من السوائل العضوية التى غالبًا ما تكون مرتفعة الثمن.
وهناك طريقة أخرى ل توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية عن طريق الخلايا الشمسية غير أن هذه الخلايا مازالت حتى الآن مرتفعة الثمن، وفكرة توليد الكهرباء بهذه الطريقة كما تقول المهندسة سهير عيسوى الباحثة بمعمل الطاقة الشمسية تعتمد على المواد التى تصنع منها الخلية الشمسية التى تعرف بـ "أشباه الموصلات" فعندما تسقط أشعة الشمس على هذه المواد تتولد قوة دافعة كهربية يمكن استخدامها فى تشغيل بعض الأجهزة الكهربية ومازالت الأبحاث والدراسات مستمرة لتقليل تكاليف تصنع هذه الخلايا الشمسية حتى يمكن استخدامها.
البداية.. فى البسايسة
والبسايسة قرية صغيرة من قرى محافظة الشرقية وهى تشهد الآن أول تجربة ميدانية متكاملة عن استخدامات الطاقة الشمسية لسد احتياجات وتنمية المناطق الفقيرة ويقوم بها قسم العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وتجربة قرية البسايسة – كما يقول الدكتور صلاح عرفة رئيس قسم العلوم الطبيعية والمشرقف عليها – تعتبر تجربة فريدة وجديدة فى نوعها ومضمونها، فهى أول تجربة ميدانية ربطت بين التطور العلمى من ناحية وبين التطور الاجتماعى من ناحية أخرى، حيث أثبتت أن الطريق الوحيد للتنمية الحقيقية إنما هو التعاون بين ما وصلت إليه آخر التطورات العلمية والتكنولوجية وبين العامل الإنسانى وعمل توافق بينهما.
ومن الناحية العلمية فإن التجربة تهدف إلى استخدام الطاقات الطبيعية الكامنة فى البيئة ومنها استخدام الطاقة الشمسية فى تنمية القرية المصرية لتوفير الكهرباء والمياه النقية الساخنة وتشغيل الآلات الكهربية المختلفة مثل الراديو والتليفزيون وغيرهما بطريقة مبسطة، أما الناحية الاجتماعية لهذه التجربة فهى لا تقل عن الجانب العلمى لها فقد تفهم فلاحو البسايسة فكرة التنمية والنهوض بالقرية باستخدام الطاقة الشمسية واشتركوا جميعا فى تطبيق النظرية العلمية وتحويلها إلى جزء من حياتهم اليومية واحتياجاتهم وأثبت الفلاح المصرى قدرته على تطبيق وتنفيذ إحدى النظريات العلمية الهامة فى بيئة بسيطة بل أكثر من ذلك، فقد ظهر فن جديد وهو الرسم ب الطاقة الشمسية فقد استطاع بعض شباب القرية باستخدام عدسات مجمعة لأشعة الشمس ورسم صور فنية بالغة الروعة والدقة على ألواح الخشب وقاموا بعرضها فى مصر فى القرية.
وبالرغم من كل ذلك إلا أننا مازلنا لم نتجاوز مرحلة بداية البداية ولا تكفى تجربة هنا وأخرى هناك، بل لابد من خطة قومية شاملة يساهم فيها قطاع البحث العلمى مع قطاع الصناعة للإعداد للانتقال إلى عصر جديد.. عصر الطاقة الشمسية .
نشر بمجلة أكتوبر فى يوليو 1978م – 1398هـ.