مفاوضات انضمام أوكرانيا و مولدوفا للاتحاد الأوروبي لحظة تحول تاريخية.. أم تهديد جيوسياسي ؟

مفاوضات انضمام أوكرانيا و مولدوفا للاتحاد الأوروبي لحظة تحول تاريخية.. أم تهديد جيوسياسي ؟مفاوضات انضمام أوكرانيا و مولدوفا للاتحاد الأوروبي

قرار الاتحاد الأوروبي بفتح مفاوضات الانضمام مع أوكرانيا و مولدوفا .. هل يشكل فعلا لحظة تاريخية في السعي إلي بناء أوروبا موحدة ومزدهرة ؟ تلك الصورة التي تخيلها روبرت شومان، (1886-1963)، أحد الآباء المؤسسين للاتحاد الأوروبي، والذي أعلن في مايو عام 1950: أن «أوروبا لن تُبني دفعة واحدة، أو وفقًا لخطة واحدة. بل سيتم بناؤها من خلال إنجازات ملموسة تخلق أولاً تضامنًا فعليًا».

هذه الرؤية بدأت تتحقق مع انطلاق أوكرانيا و مولدوفا في رحلتهما نحو التكامل الأوروبي، مدفوعين بقيمهما المشتركة وإرادتهما السياسية والتزامهما بالإصلاح، حسب وجهة النظر الأوروبية، وعلي النقيض تماما تأتي وجهة النظر الروسية التي تقف وبكل قوة أمام هذا التوسع الأوروبي علي الحدود الروسية.

وجاء الإطلاق الرسمي لمفاوضات الانضمام من جانب الاتحاد الأوروبي مع أوكرانيا و مولدوفا ليشكل معلمًا بارزًا في رحلة التكامل الأوروبي، ووفقًا لرئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، فإن هذه «لحظة تحول» تعكس القيم والتطلعات المشتركة للسلام والأمن والديمقراطية والازدهار التي تربط الاتحاد الأوروبي معًا».

وفي حين أن الطريق إلي الأمام سيكون صعبًا، فإنه يقدم أيضًا فرصًا هائلة للبلدين و الاتحاد الأوروبي ككل، وكما ذكر رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، «هذه لحظات تاريخية حقًا، أوكرانيا كانت وستظل دائمًا جزءًا من أوروبا الموحدة».

وتتضمن عملية الانضمام إلي الاتحاد الأوروبي عدة مراحل رئيسية. أولاً، هناك مرحلة فنية قبل بدء المفاوضات الرسمية، حيث تقوم المفوضية الأوروبية والدولة المرشحة بإجراء فحص مفصل للقضايا التي تحتاج إلي معالجة، ويشمل هذا تقييمًا لمواءمة المرشح مع مجموعة القوانين والمعايير الأوروبية.

وبمجرد اكتمال هذا العمل التحضيري، يتبني الاتحاد الأوروبي خرائط طريق تحدد الإصلاحات الضرورية التي يجب علي المرشح القيام بها، ولاسيما في مجالات سيادة القانون والإدارة العامة، ووفقًا لألينا إينايه، زميلة بارزة في صندوق مارشال الألماني، «خرائط الطريق هذه بالغة الأهمية، لأنها توفر إطارًا واضحًا للدول المرشحة لمتابعتها وإظهار تقدمها»، ثم تبدأ مفاوضات الانضمام الفعلية، حيث يفتح الاتحاد الأوروبي والدولة المرشحة ويغلقان «فصولًا» مختلفة تغطي مجالات سياسية محددة، وتعتمد وتيرة التقدم بشكل كبير علي قدرة المرشح علي تنفيذ الإصلاحات المطلوبة في الوقت المناسب.

الطريق إلي عضوية الاتحاد الأوروبي بالنسبة ل أوكرانيا و مولدوفا يتضمن العديد من التحديات الكبيرة، ففي أوكرانيا ، قد تعوق السياسة الداخلية والمعارضة المحتملة من بعض الدول الأعضاء التقدم، ووفقاً لألينا إينايه، فإن «هناك مخاوف بين بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي بشأن التراجع الديمقراطي في أوكرانيا وقضايا سيادة القانون، وسوف تحتاج الحكومة الأوكرانية إلي إظهار التزام واضح بالإصلاحات وجهود مكافحة الفساد لتخفيف هذه المخاوف»، بالإضافة إلي ذلك، سوف تحتاج إلي معالجة القضايا الثنائية، مثل مخاوف المجر بشأن حقوق الأقليات في أوكرانيا ، كما يفرض الحفاظ علي زخم الإصلاح في مواجهة الصراع المستمر مع روسيا صعوبات.

أما عملية انضمام مولدوفا إلي الاتحاد الأوروبي فتشهد الكثير من التعقيدات، بسبب ما تصفه بحملات التضليل الروسية والتهديدات الهجينة التي تهدف إلي زعزعة استقرار البلاد، حيث تتهم مولدوفا موسكو بالسعي إلي إزاحة حكومتها (الموالية للغرب)، كما تواجه البلاد تحديات اقتصادية وسياسية، بما في ذلك أمن الطاقة وقضايا التجارة، وسوف يتطلب التغلب علي هذه العقبات جهودًا كبيرة من جانب الحكومة المولدوفية.

وفي وقت لاحق، سوف يتم تقييم التقدم في كل مرحلة، وسوف يكون الحفاظ علي الزخم أمرًا بالغ الأهمية، وكما تشير إينايه، فإن «أي توقف في عملية الانضمام من شأنه أن يجعل من الصعب للغاية إعادة الأمور إلي مسارها الطبيعي، كما رأينا في غرب البلقان ».

ويقول خبراء إن المفاوضات ستغطي قضايا بالغة الأهمية، مثل: الإصلاحات الداخلية للاتحاد الأوروبي ، ومراجعة سياسة التوسع، وإعادة هيكلة البنية الأمنية الأوروبية، ولذا فإن نجاح أو فشل هذه المحادثات قد يؤدي إما إلي «اتحاد أوروبي متماسك ومرن» أو المخاطرة «بالتفتت وتقليص النفوذ العالمي»، بحسب تقرير بعنوان: «الحلم بالاتحاد الأوروبي: التحديات المقبلة أمام انضمام أوكرانيا ومولدوفا»، علي موقع « المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ».

من جانبها، عارضت روسيا بشدة محاولات أوكرانيا و مولدوفا للانضمام إلي الاتحاد الأوروبي، واعتبرتها تهديدًا لمجال نفوذها في المنطقة، ووفقًا لفيودور لوكيانوف، وهو محلل بارز للسياسة الخارجية الروسية، يري الكرملين، أن التوسع شرقًا للاتحاد الأوروبي يمثل «تحديًا جيوسياسيًا» يقوض طموحات موسكو.

وحذرت وزارة الخارجية الروسية، من أن محاولة أوكرانيا للانضمام إلي الاتحاد الأوروبي قد تؤدي إلي «انهيار كامل» في العلاقات بين روسيا والغرب، وهددت موسكو باتخاذ «تدابير لحماية مصالحها» إذا نجحت أوكرانيا في الانضمام إلي الاتحاد الأوروبي، مما يشير إلي نيتها عرقلة العملية.

ويُنظر إلي حرب روسيا في أوكرانيا، التي بدأت في العام 2022، علي نطاق واسع، علي أنها محاولة لمنع كييف من التحالف مع الغرب والاندماج في الهياكل الأوروبية، ويمثل إطلاق مفاوضات انضمام الاتحاد الأوروبي مع أوكرانيا و مولدوفا «انتكاسة كبيرة لنفوذ الكرملين الإقليمي»، ويزعم لوكيانوف، أن روسيا ، من المرجح، أن تكثف محاولاتها لزعزعة استقرار البلدين ردًّا علي ذلك، بحيث تفعل «كل ما في وسعها لتعطيل العملية وتقويض مسارهما الأوروبي».

ووفقًا للدكتور أندرو وايس، نائب رئيس الدراسات في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، فإن تصرفات روسيا تُظهر نية واضحة للحفاظ علي نفوذها في المنطقة ومنع أوكرانيا و مولدوفا من التحالف مع المؤسسات الغربية. وأشار وايس، إلي أن «تكتيكات الضغط الروسية تشمل حملات التضليل، والإكراه الاقتصادي، والتهديدات العسكرية، وكلها تهدف إلي إجبار أوكرانيا و مولدوفا علي الحفاظ علي العلاقات مع موسكو بدلاً من السعي إلي التكامل مع الاتحاد الأوروبي»، حسب وصفه.

وبحسب عدد من التقارير والخبراء، فإن أفضل سيناريو بشأن مفاوضات انضمام أوكرانيا و مولدوفا للاتحاد الأوروبي ، هو أن تحققا تقدمًا سريعًا في الإصلاحات، بالإضافة إلي أن الاتحاد الأوروبي يُسرّع من عملية الانضمام، مما قد يؤدي إلي العضوية في غضون العقد المقبل، أما أسوأ سيناريو، هو أن تزيد روسيا من الضغوط والعدوان، مما يعرقل مساعي الاتحاد الأوروبي ويفاقم التوترات الإقليمية، وهناك أخيرا سيناريو محتمل، يتضمن عملية تفاوض طويلة وصعبة، حيث تواجه أوكرانيا و مولدوفا عقبات كبيرة، ولكن في نهاية المطاف تحققان عضوية الاتحاد الأوروبي في الأمد المتوسط إلي الطويل.

أضف تعليق

أكتوبر .. تفاصيل الحكاية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين

الاكثر قراءة

تسوق مع جوميا