منذ أيام فى وقت الظهيرة هاتفنى صديق كان يعاود طبيبا للمخ والأعصاب بوسط البلد وبالمصادفة كان هذا الطبيب المحترم بالقرب من مكتبى، على الفور توجهت إلى عيادة الطبيب وفوجئت بأن صديقى فى حالة مرضية يرثى لها قعيد لا يستطيع الحركه وبالكاد يستطيع الحديث، وعلمت من الطبيب أنه يعانى من التهاب حاد فى الأعصاب الطرفية تمنعه تماما من الحركة وأن هذا الالتهاب وأعراض أخرى كثيرة أدت به إلى هذه الحالة نتيجة مرض غير معلوم رغم هذا الكم من الأشعة والتحاليل التى تحملها زوجته.
وبالاستفسار علمت أنه على هذه الحاله منذ أكثر من ستة أشهر رغم عيادته للكثير من الأطباء وحجزه فى أكثر من مستشفى تعليمى وحكومي، وللأسف لم يستطع طبيب ولم تعلن أشعة أو تنبئ تحاليل عن تشخيص محدد لحالته الصحية.
ونصحنى طبيب الأعصاب بالتوجه فورا لطبيب باطنة، وبالفعل توجهت بالمريض محمولا على الأيدي إلى أستاذة طبيبة ب القصر العينى بعيادتها الخاصة والتى عادت إلينا مشكورة بعد انصرافها بعدما شرحت لأحد مساعديها خطورة الحالة، وتلك هى الإنسانية التى يتميز بها الطبيب المصرى عامة.
وللوهلة الأولى حينما ناظرته وطالعت بعض الأشعة والتحاليل أخبرتنا فورا بأن حالته تستوجب حجزه بالرعاية ونصحتنا بالتوجه فورا لطوارئ القصر العينى وأرسلت معنا تقريرا مبدئيا بحالة المريض.
ولما كنت حديث العهد بالتعامل مع المستشفيات العامة سواء حكومية أو تعليمية ظننت أن الأمر يسير وليتنى ما ظننت، وحينما وصلنا لاستقبال القصر أول ما وجهنا الأمن الإدارى الذى رفض دخول سوى مرافق واحد مع المريض رغم رؤيته المريض على كرسى متحرك ويحتاج عناية خاصة لنقله من مكان لآخر، ورغم ذلك تجاوزنا هذه المشكلة ودخلنا لأول طبيب وسلمت له تذكرة الدخول ومعها تقرير بالحالة من أستاذة ب القصر العينى ، ودون النظر فى التقرير راح يسألنى عن حالته ونوع المرض وكنت أجيب يشعر بكذا وكذا وكذا، ليفاجئنى بأن كل ذلك أعراض وأنه يحتاج أن يعلم نوع المرض الذى يعانيه، فأشرت له بكمية الأشعة والتحاليل التى فى يدى قائلا؛" كل هذه الأوراق لم تفصح عن نوع المرض الذى يعانيه تفضل طالع بنفسك، نظر إلى ممتعضا وأشار إلى بالدخول ، دلفت إلى غرفة الطوارئ لا مكان لسرير، بدأ أطباء صغار فى مناظرة الحالة وبعد فترة طبيبة أخرى وظللنا على هذه الحالة حوالى ساعتين والمريض يعانى وبعد حين تم إحالته لقسم الأشعة، وتم عمل أشعة مقطعية، وعدنا إلى استقبال الطوارئ وبعد مدة زمنية أخرى تخبرنى الطبيبة المسئولة عن الطوارئ أن الحالة تستدعى الحجز ولكن سيتم تحويله إلى مستشفى أحمد ماهر، ولكن حينما تحدثت إليها بأن الحاله تستدعى حجزها بالقصر رفضت وتعللت بعدم وجود أسرة متاحة وحينما طلبت أن نعود بالمريض فى اليوم التالى أيضا كانت رافضة وحينما تحدثت إليها استعطافا وإلحاحا، انتزعت ورقة كانت فى يدى وكتبت عليها نوع تحليل قائلة: يعمل التحليل ده فى القصر الفرنساوى ويعاودنى غدا وساعتها نرى.
وبالفعل توجهنا ف اليوم التالى لعمل التحليل فى القصر الفرنساوى منذ الصباح الباكر ولما كانت نتيجة التحليل تتطلب أربعة ساعات كاملة وأن المريض لا يستطيع البقاء على الكرسى المتحرك طيلة هذه المدة تحركت به إلى طوارئ القصر العينى لعلى أجد سريرا ليستريح عليه، ريثما تظهر نتيجة التحليل وبالفعل وجاهتنى نفس مشكلة الأمس ورفضت الطبيبة مجرد الحديث معى طالما ليست معى نتيجة التحليل، وأخبرتها وهى تعلم أن المريض غير قادر على الجلوس على الكرسى وأنه يتألم لكن دون جدوى، وحينما رأيت المريض يبكى آلما وتوجعا فكرت فى الذهاب به إلى أقرب لوكاندة حتى يريح جسده المنهك؟ وقبل أن أقوم بتنفيذ هذه الفكرة توجهت إلى تلك الطبيبة ذاتها اسألها، هل بعدما نأتى بنتيجة التحليل هناك إمكانية لحجزه، أجابتنى ببرود أعصاب "ولا جراح بريطانى" احتمال ساعتها نرى إذا كان هناك سريرا متاحا من عدمه؟
كتمت غيظى وحملت مريضى خارجا أسفا.
ونصحنى أحد المتواجدين حينما رأى حالة المريض بالتوجه صباحا إلى العيادات الخارجية وبالفعل تم حجز المريض بقسم الباطنة.
وهنا بدأت مرحلة جديدة مشرقة تعلن عن متانة صرح طبى كبير، اهتمام بالحالة منقطع النظير على مدار يومين متتاليين العديد من الأشعة والتحاليل النادرة والمناظير، أساتذة كبار لمتابعة الحالة واهتمام مابعده اهتمام المعاملة فاقت المستشفيات الخاصة وبإمكانيات وأجهزة طبية حديثة، وبدأت تتضح معالم التشخيص السليم للمرض، كل ذلك دون أن يتحمل المريض جنيها واحدا حتى الآن، ودون مهاتفة أو تدخل مسئول.
الأمر الذى جعلنى فى عجب بين مرارة الاستقبال وكرم واهتمام الضيافة، وكيف يمكن للقشرة والشكل أن يسئ للمضمون وأيقنت أن الجواب أبدا "مايبنش من عنوانه" ، وعلى قدر شكرى للقائمين على هذا الصرح الطبي العملاق بداية من رئيس جامعة القاهرة لأصغر طبيب يتعامل مع المريض بتجرد وإنسانية،
إلا أننى أرى ضرورة الاهتمام بقسم الطوارئ شكلا ومضمونا أجهزة وأطباء، فالانطباع الأول يدوم ويستمر.