عُمان الخير والسلام تسقط خفافيش الظلام

تمر الأحداث على الأوطان الراسخة، التي تنعم بالأمن والاستقرار، مرورًا لا ينال من أمنها واستقرارها شيئا، لأنها مرتكزة على تاريخ طويل من الإرث الثقافى والبنية الاجتماعية المتلاحقة، التي لا تعرف للانقسام أو التشدد سبيلًا.

ستظل عمان نموذجًا بين دول المنطقة فى الاعتدال.. فى السياسة والدين والمجتمع، نموذجا فى الوحدة الوطنية والتماسك المجتمعي ونبذ العنف والتطرف لما تمتلكه من موروث حضاري وثقافى أضفى عليها حالة من التميز الفريد بين دول المنطقة.

ومن يتعامل مع الشعب العماني تجده يرتبط به ارتباطا وثيقا، لطيبة أهله وكرم أخلاقه حتى تجد أحد السمات المتعارف عليها فى مفردات الشعوب العربية أن أهل عمان هم «أطيب الشعوب العربية»؛ تلك الصفة التي يتميز بها أبناء عمان كان لها أثر على كل مناحي الحياة والعلاقات السياسية مع كل شعوب العالم.

مجتمع لا يعرف سوى التسامح والاعتدال سمة لشخصيته، ينبذ التشدد والغلو، فالشخصية العُمانية بطبيعة نشأتها شخصية متزنة معتدلة، جعلتها خلال مسيرة البناء والتنمية أن تقدم نموذجا متميزا أطلق عليها الخبراء والمحللون «سويسرا الشرق».

ورغم ما شهدته المنطقة من متغيرات وتحولات سياسية واجتماعية وأمنية أثرت على العديد من المجتمعات فى المنطقة إلا أن المجتمع العماني ظل ينعم بالأمن والاستقرار ولم يعرف العنف يوما له طريقا، ولكن ما تعرض له مؤخرا يعد أول ظاهرة فى تاريخه.

إن ما شهده أحد مساجد منطقة الوادي الكبير بعمان الأسبوع الماضي من عمل إرهابي، وإعلان تنظيم « داعش » الإرهابي مسئوليته عنه، هو محاولة ظن فاعلوها من المتشددين أنهم بفعلتهم الآثمة تلك؛ قادرون على ضرب حالة الاستقرار التي تتميز بها عمان، أو خلق حالة من الفتنة، التي طالما برعوا فى صناعتها فى البلدان الأخرى بالمنطقة.

لم يدرك هؤلاء الآثمون أن عمان لها طابع خاص فهي وطن للتنوع وصانع أكبر إرث ثقافى لا يعرف للتشدد مذهبا، بل إن ذلك الحادث الآثم أثبت أن المجتمع العماني أكثر قوة.

وإذا كان المجتمع العماني مر باختبار صعب جدا، نظرًا لندرة تعرضه لمثل تلك الأحداث على مدى تاريخه الطويل، فقد جاءت جاهزية مؤسساته العسكرية والأمنية وقدرتها على الاستجابة السريعة والتعامل مع الحدث تؤكد قدرتها على الحفاظ على أمن الوطن واستقراره وأمن المواطن والمقيم.

كما كان دور المواطن العماني على قدر الحدث، وأثبت العمانيون، رغم المفاجأة وعدم القدرة لبعض الوقت على استيعاب ما حدث، قوة اللُّحمة الوطنية وصلابة المجتمع فى وجه التحديات.

ورغم أن الحادث هز المجتمع العماني فإنه كشف عن معدنه الأصيل وعن مبادئه الراسخة التي لا يتنازل عنها مهما كان الأمر وفى مقدمتها رفض التطرّف بكل أشكاله ونبذ المذهبية والطائفية، وأهمية الالتفاف حول الوطن ومصلحته العليا وقيادته الأبية. وهذه كلها قيم آمَن بها المجتمع العماني وطوّرها ورسّخها عبر الزمن ونجح فى اجتيازها فى كل مرة وضعه التاريخ فى مواجهتها.

لقد أدارت أجهزة الدولة العمانية المختصة (الأمنية والعسكرية والمدنية) الأزمة الطارئة باحترافية شديدة وتعاملت معها فى وقت قياسي للخروج منها بأقل الخسائر، على الرغم من أن مثل تلك الأحداث الإرهابية تحدث حالة من الارتباك، خاصة إذا كانت الدول المستهدفة غير معتادة على مثل تلك التهديدات،

كما أنها ليست على خريطة مسارات التنظيمات التكفيرية التي ضربت المنطقة بعنف ولا تزال تضرب العديد من دولها.

الأمر الذي كشف مدى جهازية الأجهزة المختلفة، وكذا أجهزة المعلومات التي يكون دائما لها الركن الركين فى التعامل مع مثل تلك الأحداث وتعاونها بشكل متكامل مع الجهات المختصة.

فالحادث تم التعامل معه فى أسرع وقت وكان رد الفعل من قبل أجهزة الدولة العمانية، يؤكد ما تملكه عناصرها من خبرات وكفاءة واحترافية فى أداء المهام وتنفيذها للحفاظ على أمن الوطن واستقراره.

لقد أثبت الشعب العماني للعالم أنه أكثر صلابة وقوة فى مواجهة مثل تلك المحاولات اليائسة من قبل تنظيمات إرهابية لا تعرف لغة الأوطان.

فقدم نموذجا لشعب محصن ضد الطائفية أو المذهبية أو الانقسام، فهو شعب يعرف معنى المواطنة ليس شعارا بل حياة يعيشها ويتنفس نسيمها فينعم بالاستقرار والأمن ويترك عظيم الأثر فى نفوس المحيطين به والمتعاملين معه.

إنه شعب محب للحياة والبناء والتنمية والاستقرار والسلام والأمن.

إن التضحيات، التي قدمها الأبطال خلال المواجهة مع تلك العناصر الإرهابية هي امتداد لكل التضحيات، التي قدمها العمانيون عبر تاريخ طويل من أجل الحفاظ على وطنهم، لتظل أسماؤهم محفورة بحروف من نور فى سجل الشرف والبطولة.

لقد كشف حادث الوادي الكبير عن قوة الشعب العماني وتماسكه ووعيه ويقظة أجهزته الأمنية والعسكرية وجهازيتها وقدرتها على التعامل مع أي تهديد لأمن الوطن بمهارة واحترافية.

لكن أيضا ترك الحادث أمرا لا بد من دراسته والبحث عن تفاصيل حوله، ومنها لماذا بدأت تلك التنظيمات الإرهابية الاتجاه إلى عمان؟! وهي الوطن المتماسك صاحب أقوى نماذج فى المنطقة على التسامح والتعايش ونبذ الطائفية والعنف.

وإذا كان الحادث قد مر بما يحمله من أثر مؤلم نظرا لسقوط عدد من الضحايا إلا أنه أيضا كشف الإرث الأعظم للعمانيين.

لقد جمعني بالأشقاء العمانيين مسارات فى حياتي العملية ما بين الدراسة والعمل، فتزاملت مع عدد منهم خلال عام كامل بالأكاديمية العسكرية العليا للدراسات الاستراتيجية، بكلية الدفاع الوطني، فأصبحت تربطنا علاقة أخوة قوية لم تنقطع يوما منذ أن التقينا لأول مرة فى عام 2012، وسبقتها علاقة قوية منذ عام 2003 مع زملاء المهنة فى جريدة الوطن ولا تزال العلاقة ممتدة حتى الآن، إنه شعب عظيم محب للاستقرار والسلام، فلم تقطع عمان علاقتها يوما بدولة من الدول بل إن علاقاتها راسخة رسوخ الجبال الرواسي.

أضف تعليق