في الوقت الذي ساهم فيه معظم نجوم الكوميديا في الترويج للصورة المغلوطة عن المريض النفسي، وتقديم العديد من الأعمال التي تقدمه علي أنه شخص «مجنون» ومنبوذ، كما شاهدنا في أعمال الفنانين إسماعيل ياسين وفؤاد المهندس ومحمد سعد، حرص الفنان أحمد حلمي علي السباحة ضد التيار وتقديم أعمال فنية راقية تتعامل مع المريض النفسي بواقعية واحترام.
و«حلمي»، هو أحد الممثلين الكوميديين القلائل الذين أولوا البُعد النفسي اهتمامًا خاصًا، واستطاعوا أن يجسدوه في العديد من الأفلام، مثل: « آسف علي الإزعاج »، و«1000 مبروك» و«علي جثتي»، وتعد هذه الأفلام إضافة حقيقية إلي السينما الجديدة، فهي ترصد علاقة الشخص المصاب نفسيًا بالآخرين في أطوار استثنائية، من خلال الوقوف عند الحالة النفسية ومراقبة هواجسها وأوهامها ومزاعمها وأحلامها.
في فيلمي «1000 مبروك» و«علي جثتي»، يسيطر البُعد النفسي وهاجس الموت علي الشخصية الرئيسية التي يسكنها إحساس بالتقصير تجاه الآخرين، وتسعي إلي عمل أي شيء إيجابي مؤثر، أما فيلم «آسف علي الإزعاج» للمخرج خالد مرعي والمؤلف أيمن بهجت قمر ، فهو يؤسس علي حالة «الفقد» التي يعانيها البطل بسبب موت أبيه ( محمود حميدة )، وأدت إلي صدمة عنيفة أسفرت عن الإصابة بـ«الشيزوفرينيا» وعقدة الاضطهاد، فيرفض موت الأب ويقيم معه حوارًا مستمرًا، بل يلجأ إليه ويأخذ رأيه في شئون الحياة، وفي الوقت نفسه يشعر بأن الجميع يكرهونه.
يطرح فيلم «1000 مبروك» من إخراج أحمد نادر جلال وتأليف محمد وخالد دياب، فكرة حب النفس أو «الأنانية» دون الانشغال بالآخرين (الأم، الأب، الأخت، الأصدقاء)، ويكون هاجس الموت المُلح هو الدافع الوحيد والأجدي للتغيّر، أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه، مثل إصلاح العلاقة بهؤلاء المقربين.
ويقوم فيلم «علي جثتي» للمخرج محمد بكير والكاتب تامر إبراهيم، علي تناول فكرة أن يقع الإنسان أسير تصورات يفرضها عليه عقله الباطن، فنحن إزاء طرح حوار ثلاثي بين الشخصية المحورية «رءوف» ( أحمد حلمي ) وعقله الباطن وضميره الإنساني، فتكون الوساوس أو بالأحري التصورات التي يفرضها العقل الباطن تجاه الزوجة، الابن، والمستخدمين أو المرءوسين في العمل، مما يؤدي إلي الوقوع في عديد من المشكلات بسبب تلك التصورات الوهمية.
ونجح حلمي في «شخصنة» تجليات النفس البشرية بتجسيد شخصية البطل، وتجسيد العقل الباطن، فيما جسد حسن حسني دور «الضمير الإنساني» كشخصية فنية لها دلالة واضحة في الصراع القائم بين العقل الباطن، والضمير الإنساني أو النفس اللوامة.
ويؤثر مرض «الوسواس القهري» علي «رءوف» ويحدد بطريقة مرضية طبيعة علاقته بالآخرين، ويصبح أسيرًا لتصورات وهمية، تجعله يشك ويسيء الظن بالآخرين، وتصبح للغيبوبة التي يصاب بها دلالة واضحة لحالة «الغياب» التام التي يمر بها، تاركًا مقاليد الأمور للعقل الباطن ليقوده كما يشاء، ونتيجة لذلك تسوء علاقته بالمحيطين، وينعكس كل ذلك عليه عندما يفيق.