قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية ، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إن تجديد الخطاب الديني والإفتائي هو واجب الوقت وضرورة حتمية، وهو نهج الأوائل الذين أدركوا أن الفتوي تتغير بتغير الجهات الأربع وهي الزمان والمكان والأحوال والأشخاص.
جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج "مع المفتي" مع الإعلامي الدكتور أسامة رسلان علي فضائية قناة الناس، مضيفًا أنَّ إدراك الواقع وفهم تطوراته ومتغيراته ركن ركين من أركان التجديد والاجتهاد، ولن تثمر أية جهود للتطوير والتجديد ثمرة حقيقية إلا بدراسة الواقع والتعمق في علومه وفهم تفاصيله وما يطرأ علي أعراف الناس وثقافاتهم من تغيير إيجابي أو سلبي.
وشدد المفتي علي ضرورة إدراك وفهم التغيرات التي تطرأ علي المجتمعات والثقافات نتيجة حركة التطور المعرفي والحضاري التي تستوجب تجديدًا يتواكب مع مناحي الحياة حيث تضبط الفتوي إشكاليات كثيرة فيها.
وعن حكم الإنابة في طلب الفتوي قال المفتي: إن طلب الفتوي هو عمل يتطلب دقة ووضوحًا في عرض التفاصيل التي تتعلق بالقضية محل السؤال. ففي حالات كثيرة، يحتاج المفتي إلي معرفة تفصيلات دقيقة ومحددة للحالة التي يطلب فيها الفتوي. وهذه التفاصيل قد تشمل جوانب حياتية أو مواقف شخصية قد لا يتمكن من ينيب عن المستفتي من الإلمام بها أو التعبير عنها بدقة. لذا، فإن حضور المستفتي بنفسه يكون غالبًا أكثر فعالية في نقل الصورة الحقيقية للمفتي، مما يساعده في إصدار فتوي دقيقة ومناسبة، ورغم ذلك، يمكن للإنابة أن تكون مقبولة في بعض الحالات التي لا تتطلب تلك الدقة العالية أو عند تعذر حضور المستفتي لأسباب قاهرة. في هذه الحالات، ينبغي للنائب أن يكون علي دراية تامة بكل تفاصيل الحالة وأن يكون قادرًا علي نقلها بوضوح وأمانة إلي المفتي.
وأشار إلي أن الفتوي تختلف عن القضاء والفقه؛ فالفتوي واقعة معينة تراعي أحوال المستفتي، كما أن إدراك الواقع ركن ركين من عمل الفتوي.
وعن علاقة المتخصص والمتصدر للفتوي بالمستفتي، قال فضيلته: هي كعلاقة الطبيب الذي يتعامل مع المريض، فهو لا يقف عند بيان الحكم الشرعي، بل المتصدر للفتوي يساعد ويوجه ويرشد المستفتي لصلاح حياته ولتحقيق استقراره؛ فيشخص الداء وطرق الوقاية بعد الوقوف علي أبعادها والغوص في مسبباتها.
وردًا علي سؤال هل اللغة الأجنبية عائق يحول دون الرد علي المستفتي، أجاب مفتي الجمهورية قائلًا: اللغة الأجنبية ليست عائقًا يحول دون الرد علي المستفتي. لقد قمنا باتخاذ عدة تدابير لضمان أن يصل الرد الصحيح والمناسب إلي جميع المستفتين بغض النظر عن لغتهم. فلدينا فريق من المترجمين المتخصصين في العديد من اللغات داخل الدار.
وهؤلاء المترجمون يقومون بترجمة سؤال المستفتي من لغته الأصلية إلي اللغة العربية ويقوم أمين الفتوي بالرد باللغة العربية، ثم يترجم المتخصصون في الترجمة الفتوي مجددًا إلي لغة المستفتي. بهذه الطريقة، نضمن دقة التواصل وفهم السؤال بشكل صحيح، كما نوفر متخصصين في لغة الإشارة لتسهيل التواصل مع هؤلاء المستفتين. وفي كثير من الحالات، يأتي المستفتي برفقة أحد أقاربه أو أصدقائه الذين يفهمون لغته ويستطيعون الترجمة عنه. فهذا كله يزيد من دقة التواصل ويضمن أن يفهم المستفتي الفتوي بشكل كامل وواضح.
واختتم المفتي حواره بتوجيه نصيحة للمتصدر للفتوي قائلًا: إن مسؤوليتك عظيمة ودورك في توجيه الناس وإرشادهم يتطلب منك فهمًا عميقًا ليس فقط للنصوص الشرعية، ولكن أيضًا لواقع الناس وأحوالهم، وقبل أن تقدم فتواك، حاول فهم السياق الذي يعيشه المستفتي. تعرف علي الظروف الاجتماعية، والاقتصادية، والنفسية المحيطة به. فالفتوي ليست مجرد تطبيق نص علي حالة، بل هي عملية تأخذ بعين الاعتبار السياق الكامل للشخص، واعلم أن العلم بحر لا ينضب، فاحرص علي التواضع وطلب العلم باستمرار. وتعلم من العلماء الذين سبقوك واستفد من تجاربهم ونصائحهم.