محافظ القليوبية: نعم قطعت الأشجار.. لهذه الأسباب

محافظ القليوبية: نعم قطعت الأشجار.. لهذه الأسبابقطع الأشجار

كنوز أكتوبر28-7-2024 | 15:25

أعلنت محافظة القليوبية فى التليفزيون أن مدير الزراعة بها يعتزم بيع 25 ألف شجرة كافور وكازورينا، وما أن انتهى الإعلان حتى قامت معظم الصحف والمجلات بثورة عارمة على المحافظة.. كيف تحكم بالإعدام على هذا العدد الضخم من الأشجار؟.. وقام بعض الكُتّاب الساخرين بتوجيه النقد اللاذع، إما بالكلمة وإما بالكاريكاتير ضد هذا العمل واتجه بعض الصحفيين إلى المحافظة للتأكد من هذا الخبر وهم يتمنون ألا يكون صحيحًا ولكن ما قصة هذه الأشجار؟ ولماذا تقطع وتباع ؟..

يقول اللواء محمد المنياوى، محافظ القليوبية فى لقائه مع أكتوبر: إنه صحيح مائة فى المائة وأن هذه الحملة الصحفية ضد هذا العمل ليس لها أساس، فهذه الأشجار يجب أن تقطع لأنها ليست عديمة الفائدة فقط، ولكنها أصبحت ضارة بالفلاح وزراعته.. وإنني أتعجب من الصحفيين، الذين يعتبرون موضوع الغبار والأتربة وأدخنة المصانع هذا كله بسبب قطع شجر القليوبية .. وأكد اللواء المنياوى أنه من حصيلة بيع الشجر تم تدعيم مرافق كثيرة فى المحافظة، منها جامعة القليوبية، التى حصلت من المبلغ على خمسين ألف جنيه.. وقال: إن العملية ليست قطع شجر بقدر ما هى إحلال شجر جديد مكان شجر قد استنفد مراحل نموه وآن له أن يقطع.

ويقول إبراهيم متولى خضير، مدير البساتين بالمحافظة وقد عرف نفسه قائلا: أنا الرجل الذى زرع هذه الأشجار، وأنا نفس الرجل الذى أقوم ببيعها الآن ولشجر القليوبية قصة طريفة.

فقد بدأت مصر بمشروعات تشجير على المستوى القومى تولتها الحكومة منذ عام 1948 ثم توقفت هذه المشروعات وعادت عام 1959 حينما تقدم د. أحمد النشرتى، وكيل وزارة الزراعة لشئون البساتين بمشروع تشجير جوانب الترع والمصارف، التى لا تستعمل طرقا زراعية وهذه الجسور بطبيعتها طينة وتختلف مساحتها بالخرائط عنها عن الطبيعة.. وصدر القرار الوزارى فى نهاية العام بتنفيذ هذا المشروع على مستوى الجمهورية وكانت محافظة القليوبية هى السبّاقة فى تنفيذ هذا المشروع فى عام 1960 بتكاليف ضئيلة وكان الأجر اليومى للعامل يتراوح بين 150 و200 مليم وعشرة مليمات ثمن لشجرة الكافور أو الكازورينا ، وكان العامل يتفانى فى عمله لينال صفة الاستدامة فى العمل وبتجنب البطالة، وكان الهدف الأساسى من المشروع زراعة جوانب الترع والجسور المنتشرة بالمحافظة بأشجار الكافور و الكازورينا للحصول على الخشب فى النهاية.

وقد تعرض المشروع منذ زراعته حتى الآن لغضب الأهالى وكنا نقاوم هذا الغضب بالشرطة والقضاء والجزاء الإدارى، وبعد عدة أعوام من الزراعة أى فى أوائل السبعينيات أصبحت الأشجار كبيرة تظل الزراعات المجاورة، وامتدت جذورها لتشاركها غذاءها، مما أدى إلى شكوى المزارعين، الذين تقع أطيانهم على هذه الترع المشجرة، وكان لهم كل الحق فى شكواهم، حيث إن الترعة المشجرة يبلغ طولها فى المتوسط خمسة كيلومترات والظل والجسور يصلان إلى 7 أمتار على الأقل عرضا على الجانبين، أى 70.000 متر مربع بما يعادل 18 فدانا تقريبا يتأثر إنتاجها سنويا بالنقص إلى 75% وقد استجابت مصلحة البساتين إلى شكوى المزارعين وأصدرت تعليماتها للمحافظات ببيع الأشجار التى بلغ عمرها أكثر من عشر سنوات وأصبحت صالحة للتصنيع والاستفادة من أخشابها، وبناء عليه تم حصر هذه الأشجار تباعا بمراكز شبين القناطر والخانكة والمطرية والقناطر الخيرية وبعض المناطق الأخرى.

ومنذ خمس سنوات وعملية تقليع الشجر وبيعه مستمرة تنفيذًا لسياسة مصلحة البساتين المالكة لها.. وكلما زاد عمر الشجرة زاد تلف المحاصيل المزروعة على امتدادها، مما جعل بعض المزارعين يلجأون إلى قطع بعض الأشجار وبيعها عوضا عن الأضرار التى تلحق بهم.

لم تترك «أكتوبر» المنطقة حتى تأكدت من صحة هذا الكلام عن طريق اللقاء بالمزارعين أنفسهم، الذين كانوا سعداء بقطع الأشجار، التى امتدت فى كثافة رهيبة لتمتص غذاء محاصيلهم وتقطع من قوتهم.

ملحوظتان مهمتان يخرج بها الإنسان من موضوع أشجار محافظة القليوبية .

الأولى: أن معظم سكان القاهرة قد أصيبوا بحساسية معينة ضد قطع الأشجار، لذلك عندما أعلن عن المشروع فى التليفزيون قامت الدنيا على المحافظة وعلى مسئولى الزراعة بها نتيجة لما يحدث فى القاهرة من تقطيع الأشجار.

والثانية: هى ما جاء على لسان إبراهيم متولى خضر، مدير البساتين بالمحافظة عن تكاليف المشروع البسيطة التى تحت سنة 1960 وأن العامل كان يحصل على 150 مليما كأجر يومى ورئيس العمال يحصل على 200 مليم فى اليوم، فهل تستطيع أن تقيم مشروعات جديدة للتشجير فى ظل الأسعار الجديدة وارتفاعها الباهظ؟.. سؤال أجاب عنه مدير البساتين: للأسف إن مشروعات التشجير ستصبح هذه الأيام مكلفة جدًا نتيجة لارتفاع الأسعار فى كل شىء، خاصة العمال، لكن من الممكن أن تقوم بها إذا زرعنا فى نفوس المواطنين، خاصة الشباب حب الخضرة والنماء، وإذا استطعنا أن نحصل على جهودهم وعرقهم بطريقة تطوعية أو نظير أجور رمزية ولا شك أن العائد أكثر بكثير من أى جهد يبذل فى مثل هذه المشروعات.

حكاية 400 شجرة سقطت بعد ساعة

يقول د. عبد العزيز بيومى، الأستاذ المساعد بكلية علوم عين شمس: إن مشروع خدمة البيئة الذى قام به شباب الجامعة لخدمة الأحياء المجاورة قد اشتمل على تشجير منطقة عرب المحمدى، وقد اشترك أكثر من 500 طالب وطالبة فى المشروع.. وفعلا زرعوا 4000 شجرة فى المنطقة والشوارع المحيطة بها.. غرسوا الأشجار أمام كل منزل وكل دكان وفى الأزقة والطرقات.. وبعد ساعة واحدة من عملية التشجير كان الأطفال فى المنطقة قد نزعوها من أماكنها وبذلك انتهى المشروع قبل أن يبدأ ليضيع مجهود الشباب ولم يهتم أحد من الآبار بمنع الأطفال من اقتلاع الأشجار.

إن المذابح التى تتعرض لها أشجارنا وحدائقنا ليست إلا نموذجا لمشكلتنا مع المساحة الخضراء، فنحن نفعل بها الأعاجيب وندمرها وننقصها ونسمح للمبانى أن تزحق عليها.. فهل هناك ثأر قديم بيننا وبين هذه الخضرة؟!

نشر بمجلة أكتوبر فى يوليو 1978م – 1398هـ

أضف تعليق