لم أكن أعلم أنها إلى هذا الحد ثقيلة "لحظات الانتظار"، ولم أكن أتوقع أن يكون الأمر بهذه الصعوبة، حيث نجلس.. نترقب.. نتوقع.. نتمنى.. وندعو.
فى السابق كانت مثل هذه اللحظات تمر علىّ فى حجمها دون أى تأثير أو أى نوع من أنوا المشاعر، ليس سوى تلك الفرحة المؤقتة العابرة وأن أخبر صديقى أو جارى نتيجة إبنه أو إبنته. على مدار سنوات متوالية كنت أمر بهذه التجربة بهذه الشكل من الخارج دون أن أدخل إلى أعماقها مثلما دخلت هذا العام وأعيش تفاصيلها مثلما فعلت قبل أيام.
هذا العام كان لى إبنًا فى الثانوية العامة أدخلنى بكامل إرادتى وبكل حب وأبوة أنا ووالدته التجربة منذ اليوم الأول الذى فتح فيه كتابا يذاكر أو ذهب إلى درس خاص فى "سنتر" أو على منصة إلكترونية ، شهرًا تلو الآخر، والأيام تقترب من نهايتها وتبدأ المرحلة الأهم وهى أيام الامتحانات.. تلك الأيام الصعاب التى ربما يقلل هذا الوصف من ثقلها وخطورتها وأهميتها، ولكن فى الحقيقة هى كباقى الأيام مرت وجاءت غيرها ولم يبقى منها بعد النتيجة سوى ذكرى الإصرار والتحدى والتعب والمجهود والمثابرة.
تتلخص كل التفاصيل الدقيقة والمهمة لهذه الرحلة الصعبة "رحلة الثانوية العامة " فى الأيام التى تسبق إعلان النتيجة وربما فى الساعات التى تسبقها، فالكل يترقب.. ينتظر.. يتمنى، حتى يأتى الخبر على جناحين.. إما الفرحة المفرطة وإما الحزن المقهر، فى هذا التوقيت تحديدًا تبلغ أهمية دعم الأب والأم للإبن والإبنة مداها الأقصى، فهما بلا شك باب الأمان والاطمئنان، وباب النجاة من أى شر أو سوء.. ولنا فى واقعة انتحار الطالب قفزًا من الدور السادس عبرة كبرى..
الوقوف بجانب الأبناء أيًا كانت النتيجة أهم بكثير من الوقوف معهم طوال فترة المذاكرة أو حتى فترة الامتحانات ، الإبن والإبنة فى هذا التوقيت تحديدًا يعيش صراعًا عنيفًا وضغطا قاسيًا، وهو مايزال غضا محمل بمسئولية كبرى، فلا يتناسب مع كل ذلك أن نكون نحن أيضا مصدر ضغط أو سبب صراعا يطيح بنفسيته ويحطم عقله الباطن.
ويتعاظم هذا الدور وتبلغ أهمية الدعم الأبوى للطالب فى حال جاء المجموع ضعيف أو حتى لم يوفق الطالب ولم ينجح، وأعود وأشير أيضا إلى تلك العبرة فى واقعة انتحار طالب الثانوية مؤخرًا.
لا أنكر أننى كدت أضعف من عظم هذه المسئولية وشعرت بذلك أيضا عند زوجتى ولكن الأمر حتم علينا التحمل والتظاهر بعكس ما يموج بداخلنا حتى لا يفقد الإبن الطاقة والقوة التى يستمدها من المثل الأعلى والقدوة فى حياته.
وتمر لحظات إعلان النتيجة واستقبالها وردود الفعل عليها ويبقى أمر مهم جدًا وهو أهمية القبول والرضا بما قسمه الله وقدره، والتسليم بأن الأمر لا يقف مطلقا عند مجرد حصولك على مجموع كبير، فتدخل كلية القمة أو تحصل على مجموع صغير فتدخل كلية عادية ليست من بين التى تصنف هذه التصنيفات العجيبة.
وإنما الأمر يختلف عن ذلك كلية، فالقمة ليست فى كليات القمة وإنما القمة الحقيقية هى أن تكون أنت "قمة" فى المكان الذى اخترته أو رشحه لك مكتب التنسيق حسب مجموعك.. احرص على أن تكون قمة فى مجالك أيا كان ولا تحرص على أن تكون فى مكان، يقال إنه قمة وتفشل فيه وتخرج منه دون جدوى..
"مش مهم تدخل كلية القمة .. المهم تبقى قمة فى الكلية اللى هتدخلها"، هذه هى رسالتى لك يا إبنى العزيز، ورسالتى إلى كل أبنائنا الذين خاضوا الثانوية هذا العام وكل من سيأتون بعدهم..