ذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، أنه بعد مرور أسبوعين على اغتيال الزعيم السياسي لـ حماس إسماعيل هنية في إيران، أبقت طهران المنطقة في حالة من التوتر.
ففي كل يوم تقريبا، يظهر تهديد جديد من أحد كبار المسئولين السياسيين أو العسكريين، متعهدا بمعاقبة إسرائيل على مقتل إسماعيل هنية أثناء زيارته الرسمية إلى طهران، فيما أعلن الحرس الثوري القوي عن تدريبات عسكرية جديدة.
وأعادت شركات الطيران جدولة رحلاتها، وكان لدى أولئك الذين من المرجح أن يتأثروا بالأمر الوقت الكافي للتفكير في كيفية رد إيران ــ لكن مع وجود القليل من الأدلة حول كيفية القيام بذلك ومتى.
ونسبت الصحيفة -في تعليق أوردته مساء اليوم الاثنين- لأحد المقربين من النظام الإيراني قوله إن هذا هو بالضبط ما تريده القيادة الإيرانية، وأضاف: "قد لا يكون هناك هجوم على الإطلاق، أو قد يكون هناك هجوم الليلة، إن انتظار الموت أصعب من الموت نفسه".
وأضاف المصدر، الذي لم تكشف الصحيفة عن اسمه، "لقد أطلقت إيران حملة حرب نفسية لإبقاء القدرات العسكرية والأمنية واللوجستية الإسرائيلية في حالة من القلق والتوتر، وحرمان سكان الأراضي المحتلة من أي شعور بالهدوء".
ورأت الصحيفة أن التحدي الذي تواجهه طهران يكمن في كيفية الرد بقوة لاسترضاء أنصارها المتشددين والمتشددين الإقليميين الذين تدعمهم مع تجنب نشوب صراع مباشر مع إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة والذي سعت منذ فترة طويلة إلى تجنبه. ويكمن الهدف الأساسي للنظام في استمرار جمهورية إيران إلى جانب معالجة الصعوبات الاقتصادية التي غذت المعارضة العامة.
وفي ظل الشعور بأن الانتقام ربما يكون وشيكا، ينتاب العديد من الإيرانيين الشعور بالقلق إزاء احتمال اندلاع حرب مع إسرائيل، وهو الصراع الذي يرون أنه غير ضروري ومدمر محتمل للاقتصاد الذي يقف على حافة الهاوية.
وأشارت (فاينانشيال تايمز) إلى أنه في الوقت نفسه، تستمر الحياة بشكل طبيعي، فيما يقول البعض إن التعامل مع أنواع مختلفة من الأزمات أمر متأصل في حياتهم اليومية، بينما يتساءل آخرون عما إذا كانت القدرات العسكرية والاستخباراتية للبلاد قوية بما يكفي لصد تهديدات أكبر في المستقبل.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مواطن إيراني "28 عامًا" ويعمل وكيلًا للسفر- قوله بشأن "محور المقاومة" الذي يضم حزب الله في لبنان و الحوثيين في اليمن: "سيتعين على إيران أن تقرر ما إذا كانت سترد بشكل مباشر أو من خلال الميليشيات المتحالفة معها"، "وإلا فإن السلوك السلبي سيشجع إسرائيل على استهداف كبار القادة العسكريين الإيرانيين في المرة القادمة".
كما نقلت الصحيفة عن السياسي الإصلاحي الإيراني محمد صادق جوادي حصار تأكيده أن إيران بحاجة إلى فترة من الاستقرار للسماح للحكومة الجديدة للرئيس مسعود بزشكيان بتأسيس نفسها، مضيفًا أن البلاد تشهد "حالة من الغموض" منذ وفاة الرئيس آنذاك إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية في مايو الماضي.
وأوضح حصار أن حالة عدم اليقين "كانت مكلفة بالفعل بالنسبة ل إسرائيل كي تبقى في حالة تأهب. وتتحدث إيران عن الانتقام بدلا من الهجوم المباشر، والذي ربما يتضمن اغتيالًا أو إجراءات تهدف إلى تعطيل التجارة البحرية لإسرائيل".
وقالت الصحيفة إن إيران كانت هي و إسرائيل في مسار تصادم منذ شنت حماس هجومها في السابع من أكتوبر على جنوب إسرائيل. و حماس هي أيضًا جزء من محور المقاومة، وعلى الرغم من أن أجهزة الاستخبارات الغربية لا تعتقد أن طهران كانت متورطة بشكل مباشر في السابع من أكتوبر، إلا أن الأحداث أشعلت موجة من الأعمال العدائية التي أججت التوترات في الشرق الأوسط إلى مستويات غير مسبوقة وأثارت مخاوف دولية من صراع إقليمي واسع النطاق.
ولفتت إلى أن مقتل هنية في سكن حكومي إيراني أدى إلى رفع التوترات إلى مستويات جديدة. ولم تؤكد إسرائيل أو تنف الاغتيال، كما هي العادة في مثل هذه الحالات. ومع ذلك، اتهمت إيران إسرائيل بتدبير عملية القتل وحذرت من أن البلاد تجاوزت الخط مرة أخرى، مما يجعل الانتقام أمرا لا مفر منه. ويقول دبلوماسيون إن إيران تبقي خططها في طي الكتمان في حين يقول محللون إيرانيون إن مقتل هنية كان أكثر إذلالا لأنه حدث في العاصمة بعد ساعات فقط من حضور هنية حفل بيزيشكان الرئيس الجديد الذي تولى السلطة الشهر الماضي متعهدا باستئناف المحادثات النووية مع القوى الغربية وتأمين تخفيف العقوبات الأمريكية.
ونوهت الصحيفة بأن واشنطن تدفع -إلى جانب قطر ومصر- من أجل عقد جولة جديدة من المحادثات في الدوحة أو القاهرة يوم الخميس المقبل، على أمل التوسط في اتفاق بين إسرائيل و حماس لإنهاء الحرب وتأمين إطلاق سراح المحتجزين في غزة، بينما ألمح بيان صادر عن البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة الجمعة الماضية إلى أن محادثات وقف إطلاق النار في غزة قد تؤثر على توقيت أي رد، غير أن الرسالة كانت غامضة، (بحسب الصحيفة).
وقال بيان إيران: "أولويتنا هي إرساء وقف دائم لإطلاق النار في غزة وأي اتفاق تقبله حماس سوف نعترف به أيضا"، بينما أوضحت أن رد البلاد هو "مسألة غير مرتبطة تماما بوقف إطلاق النار في غزة"، أضافت أن "ردنا سيكون محدد التوقيت ويتم إجراؤه بطريقة لا تضر بوقف إطلاق النار المحتمل".
وقال مصدر مقرب من النظام الإيراني للصحيفة إنه في حين أن إيران "ستبقي إصبعها على الزناد"، فإنها تريد أيضا "رؤية ما إذا كانت إسرائيل ستتوصل لتسوية أولا بشأن غزة، مما يجبر نتنياهو على قبول وقف إطلاق النار وثانيا، ما إذا كانت الولايات المتحدة والدول الغربية ستعود إلى المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي".
ولفتت (فاينانشيال تايمز) إلى أنه مع ذلك، يحذر الساسة الإيرانيون من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد يستفيد من جر إيران إلى حرب قد تدفع الولايات المتحدة إلى التدخل.
ونقلت عن أحمد دستمالشيان السفير الإيراني السابق في لبنان، إن طهران تعتقد أن نتنياهو ربط بقاءه السياسي بحرب إقليمية، مضيفا : "سيفعل كل ما في وسعه لجر المنطقة إلى قتال دموي"، مشيرًا إلى أن إيران وقواتها بالوكالة "تعرف أفضل في لعب هذه اللعبة".