تهتم القاهرة اهتماما كبيرًا بعلاقتها مع الدول الإفريقية وتزيد من هذا الاهتمام بطبيعة الحال مع دول حوض النيل ودول القرن الإفريقي ، وهو ما يعكس رغبتها في دعم الاستقرار بدول المنطقة، التي لا يخفي علي أحد أنها تمر بظروف غاية في الدقة والخطورة في ظل محاولات مستمرة للتصعيد من قبل أطراف متعددة لها مصالح وأهداف قد تشعل حربًا ضروسا تقضي علي الأخضر واليابس .
وتحركات مصر المختلفة لدعم مفاوضات الهدنة و العمل علي نزع فتيل الصدام الموسع تسير علي قدم وساق ولا تكل ولا تمل ويسير معها في سياقات متصلة مساعيها وحرصها الدائم علي تدعيم علاقاتها بدول القارة الأم .
واختتم الأسبوع الماضي بحدث مهم تجسد في زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، والإعلان خلال هذه الزيارة عن بروتوكول التعاون العسكري بين مصر و الصومال يمثل صورة أيضا من صور مساعي مصر الرشيدة وكاملة الوطنية وتحركاتها الهادئة والواعية والمصرة كل الإصرار علي الحفاظ علي أمن مصر القومي في كل دوائره.
هذا البروتوكول الذي جري معه اتفاقات أخري يعكس كما قلت اهتمام مصر بتعزيز مستوي العلاقات مع دول القرن الإفريقي، وعلي رأسها الصومال، التي تنظر إليها مصر كشريك استراتيجي مهم في تأمين منطقة القرن الإفريقي، ومضيق باب المندب المؤدي لحركة الملاحة البحرية لقناة السويس، فضلا عن رغبتها بالإسهام في دعم الاستقرار بدول المنطقة، لا سيما مع ما تمر به من تحديات كبري.
الرئيس عبد الفتاح السيسي جدد خلال لقاء نظيره الصومالي، موقف مصر الداعم لوحدة وسيادة الصومال علي أراضيه، والرافض لأي تدخل في شئونه الداخلية، ورحب بالخطوات المتبادلة بين الدولتين لتعميق التعاون الثنائي، ومن بينها إطلاق خط طيران مباشر بين القاهرة ومقديشو، وافتتاح مقر جديد للسفارة المصرية في مقديشو، فضلا عن توقيع بروتوكول التعاون العسكري بين الدولتين، وهو ما قدره الرئيس الصومالي وشدد بدوره علي حرص الصومال علي المزيد من تعزيز الروابط الاقتصادية والأمنية والسياسية مع مصر خلال الفترة المقبلة، وعبر عن امتنانه لدعم مصر الثابت لسيادة الصومال وسلامة أراضيه.
وخبر التاريخ يقول: إن مصر و الصومال تربطهما علاقات تاريخية وثيقة منذ الستينيات، دعم مصر للصومال من أجل أن يتحرر الاستعمار ومخالبه وصولا إلي رفض القاهرة التام لمذكرة التفاهم، الذي أبرمتها أديس أبابا في يناير الماضي مع إقليم "أرض الصومال"، غير المعترف به دوليا، الذي تحصل بموجبه إثيوبيا، الدولة الحبيسة، علي حق إنشاء ميناء تجاري وقاعدة عسكرية في مدخل البحر الأحمر، بطول 20 كيلومترا بالإيجار لمدة 50 عاما، مقابل الاعتراف باستقلال الإقليم، حيث أكدت مصر وقتها أن الصومال دولة عربية، وله حقوق طبقا لميثاق الجامعة العربية، في الدفاع المشترك ضد أي تهديد له، وجميعنا نتذكر مقولة الرئيس السيسي " محدش يجرب مصر"، وهي جملة لخصت أمور كثيرة أهمها أن مصر لم ولن تفرط في حماية مصالحها وأمنها القومي، وهي رسالة للجميع ولكل من يحاول المساس بهذا الخط الأحمر المستديم خط الأمن القومي .
وقد تزامنت الرسالة الخارجة من قمة الأربعاء الماضي، مع الفشل الثاني لمشاورات الوساطة التي تستضيفها أنقرة، التي لها قاعدة عسكرية في الصومال ، بين الصومال وإثيوبيا، لإنهاء الخلاف بشأن أزمة "الميناء البحري" في إقليم " الصومال لاند" الانفصالي.
هذه المشاورات التي تأتي في إطار جهود وساطة بين طرفين متنازعين هي جهود مرحب بها، إلا أنها قد تكون بالفعل "مضيعة للوقت" كما تم وصفها، فلن يوافق الصومال بأي حال علي المساس بسيادته وليعلم هؤلاء الذين في " اللالا لاند " ومن معهم وورائهم أن مصر هي أيضا لن تفرط في أمنها القومي .