صلاة الجنازة .. بين اليوم وأمس

صلاة الجنازة .. بين اليوم وأمسحسين خيري

الرأى23-8-2024 | 18:57

قد يسترق إلى السمع خبر عن وقوع مجزرة بشعة لأهالى منطقة ما على سطح الأرض خلال الساعات الأخيرة، غير أن سكان العالم اعتادت آذانهم على سماع تعرض أهل غزة لأربع أو خمس أو عشر مجازر على مدار اليوم الواحد، وأصبح خبرًا يوميًا يتصدر نشرات الفضائيات منذ عشرة أشهر، ويتمادى المحتل وكأنه من وحوش عصور الديناصورات ما قبل خلق البشر، ومن اللامعقول أن يعلن قادة أمريكا انحيازها للقاتل، ولما التعجب ومغتصبو أراضى الولايات المتحدة أسسوا إمبراطوريتهم الحديثة على جثث شعبها الأصلى من الهنود الحمر .

وأسأل نفسى من حين لآخر عندما أحضر صلاة لجنازة أشعر بزلزلة تدب فى فرائصى، فكيف بحال أحبابنا فى غزة ؟ إنه لألم يفجع القلوب، وقد يصيبها بالتوقف، فلله درك الصابرين، إنها لعشرات الجثامين ترصدها عيونهم كل يوم وليلة، حتى يواريها التراب، وعشرات أخرى على قارعة الطريق تنتظر من يسترها.

وتهتز القلوب وهى تتابع أبا أثناء تشييعه لجنازة فلذة كبده، ولكن لا يستطيع أى عقل تحمل مشهد لأب يقف أمام ثلاثة جثامين من أبنائه ملتحفين بأكفانهم، إنه لبلاء عظيم، وعزاؤنا أن الله اصطفاهم مع الشهداء، وأنزل على قلبه السكينة، وكشف عن عيناه الحجب ليرى نورًا لا يراه غيره، وما شأن تلك الخنساء، تزغرد ودموعها تجرى على خديها وقت سماعها نبأ استشهاد أبنائها، والأم فى أى مكان وزمان لا يفارقها الحزن طيلة حياتها إذا فقدت أبنا لها.

أضاءت مرثيات غزة ظلام الغرب، بل ظلام العالم، ومن أجل ذلك تحولت غزة إلى أيقونة يحكى عنها الدانى والبعيد، وأوقدت مشاعر الإنسانية فى نفس مسنة فرنسية تبلغ من العمر 82 عاما، ودفعتها إلى الاشتراك فى سباق صعود جبل "مونت فينتو" من أشهر جبال فرنسا، حتى تتبرع بجائزتها لغزة، ويعتبر الجبل من أعلى الجبال فى البلاد، ويطلقون عليه لقب "وحش برفانس"، ويهدف السباق إلى جمع التبرعات.

وخاطرت العجوز "آن جونز" بحياتها، واستقلت دراجتها الهوائية، وصعدت قمة مونت فينتو، وتمكنت من جمع 13 ألف جنيه إسترلينى، وهبتهم لشعب غزة، أليس هذا من تجليات أنوار غزة على أفئدة حجبوا عنها نور الحقيقة لعقود طويلة، وكم من قلوب أبصرت بنور غزة، وأعاد إليها رشدها، برغم أنها تتبوأ أرفع المناصب.

ومن الجانب الآخر كانت تشتعل الرأس شيبا أثناء مشاهدة أهل الصومال والمجاعة تهاجمهم، ويسرى الجفاف فى أراضيهم وأوديتهم، وتتحول الأجساد إلى هياكل عظمية تزحف الدماء فيما تبقى من عروقها، كأنها تحيا فى عالم الفناء، وكان الرعب يملأ الصدور، ونحن نراقب ملامح الصقر فى انتظار سقوط الضحية، واليوم تتجه عيون العالم إلى رجال ونساء وأطفال ينهش الجوع والعطش لحومهم، ويعجز أطباؤهم عن إمدادهم بالبدائل من المحاليل، بعد أن بات بعض مستشفيات القطاع كوم تراب.

أضف تعليق