في استوديوهات التصوير السينمائي الآن ثلاثة أفلام جديدة، كلها تدور أحداثها داخل كباريهات وملاهي ليلية، لكن أفلام الكباريهات الآن تختلف عن أفلام الكباريهات زمان، ولا تكتفي فقط بتقديم رقصة واستعراض، ولم تعد فقط مكانا تجتمع فيه العصابة أو ينسي البطل المأزوم عاطفيا أو نفسيا همومه أو ينفق ثروته التي كسبها من طريق الحرام، لكنها تقدم الكباريه الآن، باعتباره نموذجا مصغرا للمجتمع بكل تناقضاته.
وإذا رجعنا سنوات طويلة الي الوراء، لنبحث عن السبب والتوقيت الذي ظهرت فيه الملاهي الليلية في مصر، سنجد أن المجتمع المصري لم يكن خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها، قد تخلص تماما من بقايا التراث الذي يتعامل مع المرأة باعتبارها سلعة وأداة للمتعة!
وقد انتشرت الكباريهات في قلب القاهرة، مع زيادة تواجد جيوش الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية.. وأصبح الكباريه المكان المفضل لأثرياء الحرب، الذين دخلوا ميدان الإنتاج السينمائي، ناقلين معهم علاقاتهم وخبراتهم، بما يدور داخل الكباريهات المنتعشة اقتصاديا.. وانتقل الكباريه إلي السينما، فأفلام هذه الفترة يظهر فيها الملهي الليلي كمكان لعقد الصفقات، وكنزهة للمحبين، ومرفا أمان للعاشق الجريح، يلجأ إليه متجرعا «المنكر» لينسي ويجد من «ترفه عنه».
علي الشاشة كما كان الأمر في الكباريه، تقدم الاستعراضات الراقصة، علي نحو لا علاقة له بمسار الأحداث، ولكن كمجرد فقرات أو «نمر» يتوقف نجاحها علي عدد الراقصات اللاتي يظهرن كقطيع من جواري كلما كان عريهن أكثر، كلما كان أفضل.
ومع غزو روح وقيم الكباريه للسينما، بدأت الراقصات في مزاحمة ممثلات المسرح الكبيرات اللاتي تألقن علي الشاشة، ولم تعد بطولة الأفلام حكرا علي أمينة رزق، وروحية، خالد وفاطمة رشدي، وماري منيب، وعلوية جميل، ولكن أصبح هناك أيضا ببا عزالدين وكاميليا، ورجاء عبده وتحية كاريوكا، وأمنية محمد وسامية جمال.
وصحيح أن بعض الراقصات قد اثبتن مهارات تمثيلية لاحقا، ولكنهن اعتمدن، خاصة في البدايات علي إمكانياتهن الجسدية كمجرد راقصات شرقيات، بكل ما يحمله الرقص الشرقي من إثارة وابتعاده عن أية حركات تعبيرية، لقد كان الصراع بين فنانات المسرح اللاتي انتقلن إلي السينما من ناحية أخري في بعد من أبعاده، صراعا بين الفن والفتنة بين التعبير بالصوت وملامح الوجه، والإثارة عن طريق الجسد والعري.
وعلي كل حال فإن نجاح أو فشل أفلام الكباريهات يعتمد علي ما تقدمه من مبررات لاستخدام الملهي الليلي كمكان رئيسي تقع فيه أحداث الفيلم، وهل المقصود فقط هو إقحام بعض الرقصات والاستعراضات والأغاني ضمن سياق الفيلم لجذب أكبر قدر من الجمهور، أم أن هناك ضرورات درامية تبرر ذلك، كما حدث في فيلم "كباريه" الذي كان فيه الملهي مجرد رمز للمجتمع وشاهد علي ما يحدث فيه من تطورات ..عموما سنشاهد ونحكم!.