نقترب من مرور عام كامل على تلك المجازر والمذابح التي ترتكبها إسرائيل ليل نهار ضد الشعب الفلسطيني وسط صمت دولي، وقرارات غير مفعّلة، وأزمات تصنع بشكل يدلل على أن المشهد الذي تدور أحداثه في الشرق الأوسط ويدفع ثمنه الفلسطينيون بعدما قدموا أكثر من 40602 شهيد بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وما يزيد على 99255 جريحًا ونزح أكثر من
2 مليون فلسطيني، وهو ما يمثل أكبر عملية إبادة جماعية .
في الوقت ذاته عمدت الدولة المصرية إلى التخفيف من حِدة الأوضاع الكارثية في قطاع غزة بالعمل المتواصل على توفير المساعدات الإنسانية للأشقاء الفلسطينيين، كما حرصت على توضيح حجم الكارثة للوكلاء الدوليين والقوى الدولية لوقف نزيف الدم والعمل على وقف إطلاق النار ، والوصول إلى حل للأزمة المتصاعدة باستمرار بسبب إدارة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة لها، وتعمّد حكومة نتنياهو تصعيد حِدة الأزمة، والسعي الدائم لتوسيع رقعة الصراع، الأمر الذي من شأنه أن يصل بالمنطقة إلى حربٍ واسعة النطاق، وهو ما لم تدرك خطورته حكومة الحرب الإسرائيلية.
إن ما يقوم به نتنياهو ، و«عميحاى إلياهو»، و«إيتمار بن غفير» و«بتسلئيل سموتريش » ليس سوى عملية إحراق ل إسرائيل قبل أن يكون تدميرًا للدولة الفلسطينية، كما يصرح «الياهو» صاحب الرقم القياسى فى التصريحات الاستفزازية الإرهابية فى حكومة بنيامين نتنياهو وينافسه فى تلك التصريحات «بتسلئيل سموتريش »، وزير المالية فى حكومة نتنياهو.
الوزراء الثلاثة ورابعهم رئيس الحكومة يسيرون ب إسرائيل على خطى نيرون .
(1) المشهد يزداد تعقيدًا فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، فى ظل قيام حكومة نتنياهو بفتح جبهة جديدة للقتال فى الضفة الغربية، بعدما داهم جيش الاحتلال الإسرائيلى أربع مدن فى الضفة فيما زعمت أنها «عملية مكافحة الإرهاب».
تعد تلك العملية الأكبر التى تنفذها إسرائيل فى الضفة الغربية خلال العشرين عامًا الماضية.
شملت العملية «جنين، وطولكرم، ونابلس، وطوباس» وعمدت قوات الاحتلال خلال تلك العملية إلى استهداف المستشفيات، والمخيمات وهو إحدى خطوات المنهج الإجرامى الإسرائيلى خلال عمليات الاقتحام للتأثير السلبى على مستوى الخدمات الصحية فى المناطق المستهدفة من قبل الاحتلال، والدفع بالفلسطينيين نحو مخطط التهجير الذى يعيه أبناء فلسطين الصامدون على أرضهم فى وجه المحتل.
خلال العملية الإسرائيلية استشهد أكثر من 20 فلسطينيًا برصاص الاحتلال، وأدانت مصر الاعتداءات الإسرائيلية مؤكدة أن ما تقوم به إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى هو انتهاك ممنهج للقانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى واتفاقيات جنيف الأربع الخاصة بحماية حقوق الشعوب تحت الاحتلال؛ وإصرار على سياسة التصعيد من جانب الاحتلال الإسرائيلي.
ولم يكن هذا التصعيد من الجانب الإسرائيلى هو الوحيد بل ما قام به وزير الأمن القومى الإسرائيلى مؤخرًا من تصريحات تضاف إلى رصيده من التصريحات المتطرفة الداعية إلى مزيد من الجرائم الإسرائيلية فى حق الشعب الفلسطيني .
فقد تحدث «إيتمار بن غفير» فى تصريحات استفزازية عن عزمه بناء كنيس يهودى فى المسجد الأقصــــــى، الأمر الذى أدانته مصر بأشد العبارات وحمّلت إسرائيــــــل المسئولية القانونية عن الالتزام بالوضع القائم فى المسجد الأقصى ، وعدم المســــاس بالمقدسات الإسلامية والمسيحية، مطالبة بامتثالها لالتزاماتها كقوة قائمة بالاحتلال، ووقف التصريحات الاستفزازية التى تهدف إلى مزيد من التصعيد والتوتر فى المنطقة.
وأكدت مصر أن تلك التصريحات غير المسئولة فى حق المقدسات الإسلامية والمسيحية بالأراضى الفلسطينية تزيد الوضع فى الأراضى الفلسطينية تعقيدًا واحتقانًا، وتعيق الجهود المبذولة للتوصل إلى التهدئة و وقف إطلاق النار فى قطاع غزة ، وتشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل التسوية النهائية للقضية الفلسطينية القائم على أساس حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
تصريحات «بن غفير» بالإضافة إلى العديد من تصريحاته الاستفزازية السابقة ليست سوى تحرك غير مسئول لوزير من المفترض أنه المسئول عن الأمن القومى الإسرائيلي، لكن من الواضح أن تصريحاته تشير إلى عدم تقدير سليم للموقف الذى يتحرك باتجاهه فهو يخلق مزيدًا من الاحتقان قد يدفع ثمنه فى أى لحظة.
فالتصريحات غير المسئولة لعدد من وزراء حكومة نتنياهو قد تحرق إسرائيل كما فعل نيرون وحرق روما، وهو ما عبرّ عنه وزير الزراعة الإسرائيلى السابق وعضو الكنيست الحالى «عوديد فورير» للواشنطن بوست قائلاً: «إن حكومة نتنياهو تدمر إسرائيل ومستقبلها».
وقال عضو الكنيست «جادى أيزينكوت»، المراقب فى حكومة الحرب، إن نتنياهو فشل فى الأمن والاقتصاد، داعيًا إلى إجراء انتخابات بحلول نهاية العام الجاري.
وأكد أن نتنياهو يضلل المواطنين بشعارات «النصر الكامل» على حركة حماس بدلاً من تحلّيه بالصدق فى كشف تعقيد حرب غزة.
وأضاف «جادي» فى تصريحات صحفية سابقة أن من يقول إننا سنفكك بضع كتائب فى رفح الفلسطينية ثم نعيد الرهائن فهو يزرع الوهم الكاذب.
أما الوزير الإسرائيلى السابق «حاييم رامون» فقد أكد أن إسرائيل تتجه إلى هزيمة استراتيجية فى غزة، ومعالم فشل سياستها هناك واضحة للغاية.
مؤكدًا أن الصحافة الإسرائيلية تخفى عن الجمهور حقيقة أن الجيش فشل فى إخضاع ما سماه «أضعف أعداء إسرائيل » وليس لديه خطة متكاملة لإنهاء الحرب.
كما أن رئيس مجلس الأمن القومى الإسرائيلى «تساحى هنجبي» قال، إن إسرائيل لم تحقق أيًّا من أهدافها فى الحرب على قطاع غزة، «لم نقضِ على حماس، ولم نوفر شروطًا لإعادة الأسرى ولم نُعد سكان غلاف غزة إلى منازلهم بأمان».
مضيفًا أن مجلس الحرب لم يحدد أى هدف واضح بالنسبة لشمال إسرائيل، ولم يضع تاريخًا ولا أهدافًا استراتيجية.
(2) جاءت تحركات إسرائيل مؤخرًا باتجاه الضفة الغربية بمثابة تنفيذ لما كشفه من قِبل وزير المالية اليمينى المتطرف فى حكومة نتنياهو، بتسلئيل سموتريش، والذى نقلت عنه تقارير نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» أواخر يونيو الماضى عن مخطط من أجل تعزيز سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية وضمَّها رسميًا من دون رجعة.
والذى جاء جزء من خطاب «سموتريش» فى إحدى المناسبات الخاصة مؤكدًا ضرورة منع الضفة الغربية من أن تصبح جزءًا من دولة فلسطين.
وأكد « سموتريش » أن بنيامين نتنياهو علم بتلك الخطة التى بدأ العمل عليها منذ 18 شهرًا، وقد تم التطرق لها فى اتفاق الائتلاف بين حزبيهما.
ورغم عقد مجلس الأمن القومى فى البيت الأبيض، اجتماعًا رفيع المستوى لبحث تصعيد الإجراءات ضد المستوطنات، بما فى ذلك فرض عقوبات على الوزيرين بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير اللذين تعتبرهما إدارة بايدن مسئولتين عنهما وكذا التصريحات الاستفزازية التى يقومان بها؛ إلا أن ذلك لم يوقف الوزيرين عن الأفعال الاستفزازية، والتى تدفع إلى مزيد من عمليات قتل للفلسطينيين.
إن ما يقوم به نتنياهو وعدد من أعضاء حكومته من أعضاء مجلس الحرب من إطالة لأمد الحرب فى الأراضى المحتلة، لن يحقق الأمن أو السلام بل قد يكون سببًا فى إشعال المنطقة، وسيكون هؤلاء أول من يحترقون بلهيب تلك النيران.
إن محاولات التغطية على جرائم رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير ماليته ووزير الأمن القومى ووزير التراث بإطالة الحرب وتوسيع نطاقها، ليس أمرًا مأمون العواقب وهو ما انتقده العديد من القادة فى إسرائيل.
فقد حذر إيهود باراك من أن وزير المالية الإسرائيلى الحالى بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومى إيتمار بن غفير يريدان إشعال النار فى الشرق الأوسط بأكمله، وفق تعبيره، مضيفًا أن نتنياهو يتحرك لخدمة مصالحه السياسية الخاصة، ولا يبالى لما يحدث من عدم تنفيذه لوعده بعودة المختطفين.
وقد وصف «أنشيل فيفر» فى مقال له بموقع The» Atlantic» بنيامين نتنياهو بأنه أسوأ رئيس وزراء فى تاريخ إسرائيل، مؤكدًا أن طموحه (نتنياهو) أدى إلى تقويض أمن إسرائيل واستهلك سياستها.
وبحسب «فيفر» لو كان نتنياهو قد قبل الهزيمة فى يونيو 2021، وتنازل عن المسرح لائتلاف من معارضيه، لكان بإمكانه التقاعد فى سن 71 عامًا مع الحق فى المطالبة بأنه كان أحد رؤساء الوزراء الأكثر نجاحًا فى إسرائيل .
فبعد أن كان هناك رؤساء حكومات سابقين يعتبرهم الإسرائيليون الأسوأ فى تاريخ إسرائيل وعلى رأسهم جولدا مائير، أصبح بنيامين نتنياهو يتفوق الآن على هؤلاء المنافسين بأضعاف مضاعفة، فقد نجح فى جلب المتطرفين اليمينيين إلى التيار الرئيسى فى الحكومة وجعل نفسه والبلاد مدينين لهم، كما أن فساده ضخم، كما اتخذ قرارات أمنية مروّعة جلبت خطرًا وجوديًا على إسرائيل التى تعهد بقيادتها وحمايتها.
وفوق كل ذلك، فإن أنانيته لا مثيل لها: فقد وضع مصالحه الخاصة قبل مصالح إسرائيل فى كل منعطف.
فقد حوّل نتنياهو حركة كانت فى السابق موضع استنكار على هامش السياسة فى البلاد إلى طرف معنى بالحكومة.
إن فساد نتنياهو على المستوى الشخصى ليس بالأمر الجديد فى تاريخ رئاسة الوزراء الإسرائيلية، وما يجعله أسوأ من غيره هو احتقاره الصريح لسيادة القانون.
ويواصل «فيفر»، قائلًا: «لقد وضع نتنياهو المتطرفين فى مناصب السلطة، وقوّض الثقة فى حكم القانون، وضحى بالمبادئ من أجل السلطة، وليس من المستغرب إذن أن تصبح التوترات حول دور القضاء الإسرائيلى فى الصيف الماضى غير قابلة للسيطرة، وقد أبرزت الأزمة كل هذه الأسباب التى تجعل نتنياهو يستحق أن يُـسجَّل باعتباره أسوأ رئيس وزراء فى تاريخ إسرائيل».
إن تطورات الأوضاع فى الأراضى المحتلة واستمرار الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو فى سياسة فرض الأمر الواقع لن تستطيع أن تحقق أمنًا ل إسرائيل أو استقرارًا بل ستخلق حالة من الغضب تزداد يومًا بعد يوم، كما أن حرب الإبادة الجماعية التى تمارسها إسرائيل فى قطاع غزة على مدى 11 شهرًا والآن تتحول إلى الضفة الغربية لن تستطيع أن تخلع شعبًا من وطنه ولن تستطيع أن تُبعده عن أرضه بل سيظل الشعب الفلسطينى صامدًا يدافع عن أرضه.
إن استمرار حكومة نتنياهو فى عدم الاستجابة لـ وقف إطلاق النار والعمل على إيجاد حل سياسى للأزمة، لن يحقق لها ما تدّعى أنها تعمل من أجله (الأمن والاستقرار) بل سيدفع بها وبالمنطقة إلى حربٍ واسعة النطاق لا يعلم أحد نتائجها وستكون إسرائيل أول من يكتوى بنيرانها.