أثناء تصفحي لأحد مواقع التواصل الاجتماعي، لفت انتباهي منشورا بألوان مبهجة للغاية، وعندما ركزت به وجدت أنها إكسسوارات، وقررت أن أتواصل مع مصممة تلك الإكسسوارات والتي ردت علي قائلة إنها إكسسوار من "الباتش ورك" فاندهشت كثيرا، لأنني أعلم أن الباتش ورك فن تم توظيفه في تصميم الملابس كنوع من الموضة، ولكن لم أكن أعلم أنه تم توظيفه كإكسسوار أيضا.
فطلبت من مصممة الإكسسوارات و الملابس رانيا يوسف أن تتحدث معي عن تلك الفكرة الفريدة من نوعها والتي أكدت أنها لم تكن تقصد توظيف الباتش ورك في الإكسسوار، فبعد أن انتهت من تصميم مجموعة ملابسها الأخيرة والتي كانت بألوان مبهجةـ واستخدمت بها فن الرسم على القماش، قامت بالتفكير في تصميم إكسسوار يناسب تلك الأزياء.
كنت أبحث عن الاختلاف عن الدارج في الأسواق، هكذا شرحت رانيا كيف جاءت لها فكرة استخدام فن الباتش ورك في الإكسسوار ولأنني عاشقة لفن الباتش ورك، فكرت أن أقوم بتوظيفه في الإكسسوار بشكل مختلف ومواكب للموضة، فأنا شعرت بالملل من إكسسوار الخرز واللؤلؤ، فقمت باستخدام القماش، أو بالأحرى بقايا القماش.
وتابعت: صممت قرونا من الفلفل الملون، وهي أول تجاربي في إكسسوار الباتش ورك، وفكرت إذا كان من الممكن أن يتم تصميم أي شيء آخر من الخضراوات أو الفاكهة تتناسب مع الإكسسوار فوجدت أن الأنسب هو قرن الفلفل، لأننا نقوم بإرتداؤه في الذهب، وصممت منه باللون الأخضر والأحمر والكاروهات، ومن هنا جاءت لي فكرة تطويع الباتش ورك في الإكسسوار.
"الترقيع المجنون" هو فن الباتشورك وله العديد من الطرق المختلفة فهناك طريقة تسمى "الهيكساجون" وتكون بها القصاقيص على شكل سداسي الأضلاع، وطريقة "السيمونول" وفيها تجمع بواقي الأقمشة على هيئة أشرطة، بالإضافة إلى الطريقة التقليدية وهي المربعات، وكل بلد لها طريقتها الخاصة في استخدام هذا الفن.
"الباتش ورك" من الحرف التراثية في الثقافة الغربية، حيث تجلس الأمهات لساعات طويلة وربما لأيام من أجل تصميم لحاف من بقايا القماش أو من القصاقيص، لتستفيدوا منه، كما كانوا يتباهوا بها أمام الآخرين، كشغل يدوي مميز القطعة لا تشبه الأخرى.
وقد كان "الباتشورك" من الحرف التقليدية في الثقافة الغربية وبالأخص في أمريكا، فقد كانت الأمهات يجلسن لساعات طويلة من أجل حياكة لحاف من بقايا الأقمشة لتستفيد به في منزلها ويتم الاحتفاظ به "كشغل يدوي" يتناقل عبر الأجيال، وكانت كل أسرة تتفاخر بهذه التصاميم مع الأسر المجاورة لها.
ولأنني عاشقة للفن الأفغاني، حسبما سردت رانيا وجدت أنهم يحبون تصميم الكرات ولكن بالخيوط، فوجدت أن استخدام القماش سيعطيني تنوعا أكثر كثيرا، فالكورة من الممكن أن تكون منقوشة أو سادة أو بألوان فسفورية، أو منقطة أو مخططة أو بها نقوش ورود، واستخدمت قصاقيص القماش في تصميمها، أيضا صممت ورود بألوان مختلفة.
وتابعت: هناك من يعتقد أن فكرة عمل إكسسوار من الباتش ورك أمر سهل ولكنه صعب على عكس ما يتصور البعض، فتنسيق الألوان مع بعضها ليس بسهل، كما أن عقد "قرون الفلفل" طوله 3 أمتار ونصف، وهو عبارة عن حبل طويل يلف حسب الذوق، وهو يتم لضمه بالحبل "الدوبار" الأسود، فالخرز نفسه يتم لضمه دون إبرة، والعقد الواحد تصميمه يأخذ أكثر من 3 أيام كاملة.
واستخدمت أحجار وخرز وكريستال اكلريلك، لأنني عندما قمت بعمل العقد باستخدام الكريستال الزجاج وجدت أنه سيكلف كثيرا وسيكون ثقيل للغاية، واخترت الكريستال الاكلريك من النوع الجيد جدا والذي يعطي إحساس الزجاج ولكنه خفيف، واستخدمت اللؤلؤ أيضا.
جذور "الباتشورك" امتدت للأسرة الثامنة عشر في العصور المصرية القديمة، حيث كان الملوك يرتدون ملابس ثرية بهذا الفن فقد وجد قطعة ملابس للملك توت عنخ آمون في المتحف المصري مكونة من ثلاث طبقات ومطعمة بالذهب، وقد تم تصميمها باستخدام هذا الفن، وكذلك وجد قطعة قماش ترجع الي الأسرة الـ 21 تغطي مومياء الملكة أبست أم محب وبها مربعات باللون الأزرق والأحمر تم ربطها باستخدام فن "الباتشورك" ، أما عن أهم قطعة فقد وجدت في وحدة "لودج كابن" وهي لوحة المومياوات المصرية القبطية التي تم اكتشافها عام 1880م.
الباتشورك من أمتع الفنون في تصاميم الأزياء وعلى الرغم من أنه يسمى فن "الفقراء" إلا أن رانيا يوسف مصممة الأزياء، أكدت أنه فن غني جداً، لأنه غير معتمد على نوع القماش ولكن يعتمد على رؤية المصمم وفنه وإبداعه وذوقه وصنعته، مستطردة: "نعم هو لا يستهلك خامات ولكنه يستغرق مجهودا كبير حتى تظهر القطعة جميلة وبالفعل تظهر كذلك في النهاية، لأنها تكون مميزة وليست مكررة".