بعد مرور أكثر من شهر ونصف الشهر منذ استقالة الحكومة الفرنسية، تتسع فجوة الميزانية في البلاد أكثر فأكثر، ولا يوجد من يسدها، بينما لا تزال هناك مؤشرات على من سيحكم البلاد، ويتحمل المسؤولية عن الوضع الاقتصادي المتردي.
وفي مذكرة أرسلتها وزارة المالية الفرنسية إلى المشرعين، الاثنين الماضي، قيل إن عجز الميزانية - الفرق بين ما تنفقه الدولة وما تتلقاه - قد يصل 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بدلًا من 5.1% كما كان متوقعًا في السابق.
وبينما لم يتبق أمام باريس سوى أقل من ثلاثة أسابيع قبل الموعد النهائي الذي حدده الاتحاد الأوروبي لإرسال مقترحاتها إلى بروكسل لخفض الإنفاق العام على مدى السنوات المقبلة، ويشير تقرير للنسخة الأوروبية لصحيفة "بوليتيكو" إلى أنه سيتعين على الحكومة أن تقدم ميزانية العام المقبل إلى البرلمان الوطني بحلول الأول من أكتوبر.
ولكن، كما نقل التقرير عن أحد كبار المسؤولين في المفوضية الأوروبية: "من الصعب على أي دولة دون حكومة أن تقدم خطة".
قلق أوروبي
أسفرت الانتخابات المفاجئة التي جرت في فرنسا، الصيف الجاري، عن هيئة تشريعية منقسمة، إذ فاز تحالف من الأحزاب اليسارية بأكبر عدد من المقاعد لكنه فشل في تحقيق الأغلبية، وبينما رفض الرئيس إيمانويل ماكرون تعيين مرشحة اليسار لمنصب رئيس الوزراء - بحجة أنها لن تنجو من تصويت بحجب الثقة - قاد عملية بحث مطولة عن رئيس وزراء من شأنه أن يوفر الاستقرار المؤسسي.
ووعد وزير المالية الفرنسي المنتهية ولايته برونو لومير، بإعادة المالية العامة الفرنسية إلى مسارها الصحيح، بعد طفرة الإنفاق خلال جائحة كوفيد-19، وأزمة الطاقة الناجمة عن الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا.
ولكن ردة الفعل ضد تخفيضات الإنفاق، وعدم اليقين السياسي المستمر، جعلت من الصعب على لومير الوفاء بكلمته، ما أثار استياء المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، كما أشارت "بوليتيكو".
ونقل التقرير عن المسؤول في المفوضية وجود خلاف بين مسؤولي الخزانة الفرنسية - الذين يتفقون مع خطة الاتحاد الأوروبي للحد من الإنفاق على مدى السنوات المقبلة - والتحالف اليساري المؤيد للإنفاق في باريس، الذي فاز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات المبكرة الصيف الجاري، مشيرًا إلى أن الجانبين من الواضح أنهما ليسا على نفس الموجة.
وفيما تراقب المفوضية عن كثب، تواجه فرنسا ما يسمى بإجراء العجز المفرط لانتهاك قواعد الاتحاد الأوروبي بشأن الإنفاق العام، الذي عاد إلى حيز التنفيذ هذا العام بعد تعليقه منذ جائحة فيروس كورونا.
مع هذا، لا توجد أي مؤشرات على أن تخفيضات ضخمة ستحدث في أي وقت قريب "بعد أن وعدت بتخفيضات بقيمة 20 مليار يورو، تخلت الحكومة المنتهية ولايتها عن خفض الإنفاق الضخم للعام المقبل، وبدلًا من ذلك، اقترحت الحفاظ على إجمالي الإنفاق في عام 2025 عند نفس مستوى عام 2024، الذي يبلغ 492 مليار يورو".
في انتظار الحكومة
بموجب قواعد الاتحاد الأوروبي، يتعين على باريس إرسال خطط الإنفاق والإصلاح إلى بروكسل بحلول 20 سبتمبر، رغم أنه يمكن تمديد هذا الموعد النهائي حتى 15 أكتوبر، لكن يتعين على الحكومة الالتزام بالموعد النهائي، وتقديم الميزانية إلى البرلمان الفرنسي بحلول الأول من أكتوبر.
ومع رحيله، أكد مكتب رئيس الوزراء المنتهية ولايته، جابرييل أتال، أنه لا يريد استباق سياسة الميزانية للسلطة التنفيذية الفرنسية المستقبلية.
وتشير "بوليتيكو" إلى أنه يمكن لبروكسل أن تمنح باريس وقتًا إضافيًا - سبع سنوات بدلًا من أربع- لخفض ديونها، إذا أظهرت أنها تنفذ إصلاحات داعمة للنمو أو تنفق في قطاعات استراتيجية "مع هذا، يتعين على الحكومة المؤقتة أن تترك لخليفتها القرارات التي تحمل بعدًا سياسيًا، مثل وعود الإصلاح التي سترسلها إلى بروكسل، لكن هذه المسؤولية لا تزال تقع على عاتق لومير في الوقت الراهن".
ونقلت الصحيفة عن متحدث باسم وزارة المالية الفرنسية: "نحن نعمل على ذلك لكن الأمر متروك للحكومة المقبلة لاستكماله وتقديمه"؛ بينما أشارت وزارة المالية الفرنسية، في مذكرة هذا الأسبوع، إلى أنه للامتثال للقواعد الجديدة للاتحاد الأوروبي، ستحتاج فرنسا إلى إجراء تخفيضات لا تقل عن 30 مليار يورو في عام 2025".
ووعدت فرنسا مرارًا وتكرارًا بالامتثال لقواعد الاتحاد الأوروبي، وخفض عجزها إلى ما دون 3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، وهو الهدف الذي يتطلب تخفيضات بقيمة 110 مليارات يورو بحلول 2027، لكن مذكرة هذا الأسبوع ذكرت إمكان تحقيق هذا الهدف في عام 2029، مع تخفيضات أقل قسوة.
وتستطيع المفوضية الأوروبية فرض غرامة تصل 0.05% من الناتج المحلي الإجمالي على الدول التي ترفض الحد من الإنفاق كل 6 أشهر، وهو ما قد يصل بسرعة إلى مليارات اليورو كعقوبات على باريس.
وبينما في الماضي نجحت فرنسا في تجنب العقوبات من بروكسل - على الرغم من الإنفاق الزائد - لكن هذه المرة قد تكون الأمور مختلفة، إذ قد تقرر المفوضية التأكد من أن القواعد الجديدة تؤخذ على محمل الجد.