المهندس سيد مرعي : حتى لا تكون هيئة الإصلاح الزراعي عبئا على الفلاح

المهندس سيد مرعي : حتى لا تكون هيئة الإصلاح الزراعي عبئا على الفلاحالمهندس سيد مرعي

كنوز أكتوبر6-9-2024 | 20:35

من بين المصريين المتحمسين لمشروع الإصلاح الزراعي واحد من أبناء مصر عاش على الأرض الخضراء بين مشاكل الزراعة وبين أصحاب الأرض اكتسب خبرته فى سنوات شبابه فى إحدى قرى محافظة الشرقية (كفر الأربعين) ولا يزال يمارس حياته كفلاح مصرى بين العزيزية ومنيا القمح والزمالك والهرم، واكتملت خبرته خلال ممارسته البرلمانية قبل الثورة.

كان اللقاء معه ضرورة حتمية ونحن نحتفل بعيد الفلاح، إنه المهندس سيد مرعي أحد أبناء مصر الذين دافعوا عن قانون الإصلاح الزراعى قبل الثورة وأول عضو مجلس إدارة منتدب للجنة العليا للإصلاح الزراعى بعد الثورة وأول عضو مجلس إدارة منتدب للجنة العليا للإصلاح الزراعى بعد إعلان الجمهورية فى مصر، لنتعرف منه على قصة الإصلاح الزراعى وقصة الأرض المصرية على مدى الخمسين سنة الأخيرة.

يقول المهندس سيد مرعي : اتسمت الفترة قبل الثورة بعد بداية الأربعينات حتى نهاية الخمسينات بالتفكير فيما سمى وقتئذ بالعدالة الاجتماعية لسكان الريف، إن الصفة الغالبة فى القطاع الريفى وقتئذ كانت الملكيات الكبيرة المنتشرة فى معظم أنحاء الجمهورية وفى مناطق كثيرة من البلاد وكانت هذه الملكيات يستغلها أصحابها عن طريق التأجير للزراعيين فى مساحات منها أو ب الزراعة على الذمة فى مساحات أخرى ولكن التأجير كانت الصفة الغالبة فى معظم الأراضى الزراعية.

ويوضح المهندس سيد مرعى لماذا كانت صفة التأجير هى الغالبة فيقول: لأن القيمة الإيجارية لم تكن محددة وبالتالى إذا ارتفعت أسعار القطن كانت ترتفع القيمة الإيجارية ويكون إيراد الفلاح المستأجر فى كل الأحوال إيرادًا محدودًا، حيث إن المنتفع كان هو المالك الكبير علاوة على أن هذه الفترة اتسمت بانخفاض أجور العاملين الزراعيين.

لذلك كان القطاع الزراعى يعانى من 3 نقاط مهمة، هى انتشار الملكيات الكبيرة وعدم تحديد القيمة الإيجارية وعدم تحديد أجر العامل الزراعي، واسترعى هذا الوضع أنظار الكثيرين وكان رائدهم فى هذا المرحوم محمد خطاب عضو مجلس الشيوخ وقتئذ، وهو أول من نادى بتحديد الملكية الزراعية فى مصر وكان أول مشروع للإصلاح الزراعى الذى تبناه المرحوم محمد خطاب يتلخص فى تحديد الملكية بخمسين فدانا كحد أقصى، على أن يترك لكبار المُلاّك التصرف فى المساحة الزائدة عن الحد الأقصى المسموح به وهو 50 فدانًا بالبيع بالتدرج.

وبدأ المرحوم خطاب فى الدعاية لمشروعه، وفى هذا الوقت كنت على اتصال كبير به وتشبعت بالفكرة وإن كنت قد تناولتها فى وضعها الثانى وهو تحديد القيمة الإيجارية الزراعية، حيث كنت أعرف أن 85% من الأراضى الزراعية تزرع عن طريق التأجير ويترتب على ذلك أنه لو حددت القيمة الإيجارية تحديدًا معقولاً أن يستفيد عدد ضخم من الفلاحين ممن يزرعون الأرض فعلاً من مشروع تحديد القيمة الإيجارية الزراعية وكان هذا مكملاً لمشروع تحديد الملكية الزراعية.

ولكن هذه المشروعات لم تر النور لأن المجالس النيابية وقتئذ كانت تمثل طبقة كبار المُلاّك الذين لا يمكنهم الموافقة على هذا المشروع.

الأرقام تتكلم

وقبل صدور قانون الإصلاح الزراعى كان عدد الذين يملكون فدانا فأقل حوالى 2 مليون و18 ألف مزارع بينما كان الذين يضعون أيديهم على أكثر من 200 فدان لا يزيدون على 2136 من كبار المُلاّك، وكانت مساحة أراضيهم أكثر من مليون و1176 ألف فدان وبهذا يتضح أن الغالبية العظمى من الفلاحين كانوا يمتلكون مساحات ضئيلة للغاية من جملة مساحة الأراضى الزراعية، ولهذا كان إصرار الثورة على تنفيذ قانون الإصلاح الزراعى رغم معارضة الأحزاب ومعارضة كبار المُلاّك، وقد وضع مشرعو هذا القانون أهدافا هى تحديد الملكية الزراعية وتحديد القيمة الإيجارية للأراضى الزراعية وتحديد أجر العامل الزراعي.. وأضيف إلى هذا تنظيم الجمعيات الزراعية لتكون فى خدمة الفلاح وخدمة المستفيدين من الإصلاح الزراعي.

ويقول المهندس سيد مرعي: فى تطبيق قانون الإصلاح الزراعى بعد الثورة وفى السنوات الأولى لتطبيقه أستطيع أن أقول إن الإصلاح الزراعى كان مميزًا بعدة ميزات، منها نظام التمويل الذى اعتمد على التمويل الذاتى قبل أى تمويل حكومى وإدخال التعاون الموجه تحت إشراف الدولة وإدخال نظم التسويق وكانت هذه النظم ناجحة نجاحا كبيرا وهى غير النظم الحالية للتسويق.

اعتراف عالمي

وتشهد المحافل الدولية على مستوى الخبراء أو على مستوى اجتماعات أكبر من ذلك أن الإصلاح الزراعى المصرى أخذ مركزا مرموقا فى مناقشاتها حتى بات معروفا لديها أو عندما يتكلمون عن الإصلاح الزراعى المصرى فإنهم يشيرون إلى مصر ويستعملون التعبير الإنجليزى الذى يقول إنه «النموذج المصرى لتنفيذ الإصلاح الزراعي».

وعن التمويلات التى طرأت بعد ذلك يقول المهندس سيد مرعي: لقد طرأت بعد ذلك جملة تغييرات سواء بالزيادة العددية للموظفين أو بالدخول فى تعقيدات البيروقراطية والروتين وأحيانا التسلط من الموظفين على الفلاحين الذين وضع القانون لحمايتهم، كل هذه أمور سلبية وتخرج عن النطاق الذى كان مخططا له فى الإصلاح الزراعى كفكرة وكفلسفة.

وعن الفلاح يقول المهندس سيد مرعي: إن الأمل لا يزال معقودًا وخاصة عندما ينادى الرئيس السادات بنظرية الأمن الغذائى وزيادة الإنتاج فإن الأمل يظل معقودًا أن تتطور هيئة الإصلاح الزراعى نفسها لكى تصبح هيئة منتجة للتصنيع الزراعى وتنويع الحاصلات الزراعية ولها من الإمكانيات ما يحقق لها ذلك حيث إن لديها المال والأرض والجمعيات التعاونية والخبرة، ينقصها فقط الرغبة أو التوجه السليم للاندفاع نحو تحقيق هذه الأهداف الجديدة التى تساهم بها فى معركة الأمن الغذائى وزيادة الإنتاج والتى لابد أن تحسن من دخل الفلاح وأن تنشط من حركة التصنيع الزراعي.

وأخيرًا يحذر المهندس سيد مرعى فيقول: إنه بغير هذا التطوير الذى لابد منه فى هيئة الإصلاح الزراعى فإنها ستجد نفسها يومًا بغير أسلوب عمل وأنها صارت بمثابة عبء على الفلاح بدلاً من أن تكون لخدمته ولصالحه.

الأرض للفلاح

وتمضى المسيرة وتمضى 26 سنة على صدور قانون الإصلاح الزراعى لتتغير به ومعه خريطة الأرض الزراعية فى مصر وبعد أن كانت الأرض الخضراء ملكا لعدد من العائلات الكبيرة أصبحت ملكا لأعداد هائلة من العائلات المصرية.

وتستمر الاحتفالات بعيد صدور قانون الإصلاح الزراعى وفى احتفالات أمس تم توزيع 20 ألف فدان على عدد من الفلاحين المستفيدين من قانون الإصلاح الزراعى لتستقر أقدام الفلاحين على الأرض الخضراء ويقبلون على الحياة والحب والأمل.. من أجل مصر.

نشر بمجلة أكتوبر فى سبتمبر 1978م – 1398هـ

أضف تعليق